العبقري الصغير

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 14 أبريل 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

في السنوات الأخيرة طالعتنا ظاهرة في برامجنا التليفزيونية أثارت الكثير من السخرية الممتزجة بالحزن، بين الحين والآخر يستضيف أحد البرامج بعض الأطفال أو صغار الشباب ليقدموا إختراعاتهم وإكتشافاتهم العلمية كي نفخر بما لدينا من العباقرة صغار السن والذين سيقودون البلاد في المستقبل نحو التقدم والإزدهار، إذا دخلت على مواقع التواصل الاجتماعي لترى ما يقوله الناس عن هذا الطفل أو ذاك غالباً سترى نوعين من الناس: النوع الأول يتحدث بفخر عن أن مصر ولادة وأننا سنقود العالم والنوع الثاني يتهكم على ما يرى وإن الموضوع كله "هجص وضحك على الدقون" ثم تبدأ المجوعتان في مهاجمة بعضهما ويتشاتما تاركين الموضوع الأصلي ... العباقرة الصغار هو موضوع مقالنا اليوم.

 

العبقرية شيء رباني أولى بالرعاية منذ الصغر، ولكن كي نرعى العبقرية يجب أن نكتشفها أولاً، فهل عندنا أليات لإكتشاف العباقرة الصغار خاصة وأن أغلب مناهجنا قائمة على التلقين والحفظ و"إحنا ملتزمين بكتاب الوزارة" و"إحنا بلد شهادات فخدت شهادتك الأول وبعدين إعمل اللي إنت عايزه"؟ أعتقد أنه لا ألية عندنا لإكتشاف العباقرة، فماذا عن الحالات الفردية؟ قد نجد عبقرياً في مدرسة إعدادية مثلاً ويجد طريقه في الظهور على شاشات التليفزيون ليكون مصدر فخر لنا وقدوة للصغار، ولكن هناك مشكلة صغيرة في هذا الرأي: عندما يقول طالب في إعدادي أنه كسر نظرية أينشتاين مثلاً من قيم أفكاره؟ هل يعرف مدرسوه في المدرسة نظرية النسبية؟ هل درسها هو؟ من قيمه؟ من سمح له بالظهور في التليفزيون؟ عندما يقول شخص أنه إخترع موتوراً يعمل بالهواء أو سلاح ما يهد جبلاً في دقيقة واحده من يقيم عمله؟ الهراء يمكن معرفته من النظرة الأولى والباقي يحتاج لجنة من المتخصصين لتقييمه.

 

في السن الصغيرة نسبياً قد يبرع الأطفال في لعبة رياضية أو فنية مثل الشطرنج أو الجمباز أو العزف على آلة موسيقية معينة أو في مجال علمي مثل الرياضيات ولكن هناك شيئان يجب أن ننتبه لهما:

أولاً قد تبرع في هذه الأشياء في سن صغيرة بفعل الموهبة ولكنك لن تنتج شيئاً عالمياً حتى تحوز على الخبرة وهذا لا يتأتى إلا بالتدريب الذي يحتاج إلى وقت ليس بالقليل. دائماً ما يقفز للذاكرة الموسيقار العبقري موتزارت الذي برع في الموسيقى وهو في السادسة من عمره، ولكننا نغغفل أن أفضل أعماله والتي بهرت الأجيال بعده ظهرت بعد تلك السن الصغيرة بعقدين من الزمن ولا يجب أن نغفل أن والده كان من أفضل مدرسي الموسيقى وكان يوجهه.

النقطة الثانية في حديثنا عن العبقرية في سن صغيرة هي أنك لن تجد عبقرياً في إدارة الأعمال أو الصناعة مثلاً في الإعدادية لأن هذه الأشياء تحتاج خبرة في عدة علوم ومجموعة متكاملة من المهارات وخبرة حياتية لن تأتي في سن صغيرة، مثلاً لتخترع شيئاً مثل موتور يعمل بطريقة معينة تحتاج علوم الميكانيكا والفيزياء والرياضيات وكيفية تفاعلهم ويجب أن تكون على علم بأبحاث من سبقك في ذلك فهل تستطيع تجميع كل ذلك في المرحلة الإعدادية أو الثانوية خاصة ونظامنا التعليمي لا يشجع على الإبتكار؟

 

أليس من الأفضل استخدام براءات الإختراع المحبوسة في الأدراج منذ عشرات السنين؟

أليس من الأفضل استخدام مراكز البحوث عندنا والجامعات في إيجاد حلول للمشاكل التي نواجهها؟

 

أعي تماماً أننا يجب أن نشجع أطفالنا على الإبتكار والإختراع، عندما يأتي طالب إعدادي أو ثانوي ويقول أنه وجد أخطاء في نظريات علمية يجب علي مدرسيه عدة أشياء: أولاً تحيته على تفكيره وقراءاته، ثانية مناقشته فيما وصل إليه وإن كان ما فكر فيه خارج تخصص المدرس فليحاولوا الإتصال بالمتخصصين في جامعاتنا ومراكز أبحاثنا ليجلسوا مع الطالب ويبينوا له ما خفي عليه وإرشاده لبعض القراءات التي تساعده على تنمية ملكاته ومعلوماته، وأوجه هنا نداء لأهل هؤلاء الطلاب: حافظوا على نفسية أبنائكم ولا تسمحوا بظهورهم على شاشات التليفزيون حتى لا يصيبهم الغرور أولاً وحتى لا يصبحوا مثار سخرية الجميع ثانياً.

 

أتفهم تماماً حاجتنا لزيادة الثقة في أنفسنا ولكن أيمكن أن نزيد الثقة في أنفسنا عن طريق التقدم في التعليم أو الأبحاث العلمية بدلاً من هؤلاء "العباقرة" الصغار الذين نظلمهم ونظلم أنفسنا معهم؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved