مماحكات وهمية فى سبيل هدف واحد

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 14 أبريل 2021 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

إنها اللعبة إياها. تتبدل الساحة ويتبدل الموضوع، لكن الهدف لا يتبدل. المهم هو أن تظل أمة العرب فى أجواء الصراعات الفكرية أو السياسية أو الدينية أو فى لغط التجاذبات حول هوية الأمة أو نوع الأيديولوجية التى تحكم حياتها.
والمهم هو ألا يستطيع الإنسان العربى أن يركز ذهنه وإرادته ونشاطه فى مسالك النهوض والتقدم والقوة الحضارية.
ومن أجل تحقيق ذلك تجيش قوى الدس والكذب والتلاعب بالألفاظ وخلط السم بالعسل الاستخباراتية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وينبرى الكتبة المغمورون الزبونيون المتطفلون بدس أنوفهم واستدعاء جملة قيلت منذ قرون أو موقف لسياسى أحمق فى أزمنة غابرة أو حدث تاريخى لا يمت بأية صلة بمجريات أيامنا الحالية، وبالطبع تنشغل مراكز البحوث وكبرى الصحف ووسائل الإعلام فى بعض عواصم الاستعمار وفى الكيان الصهيونى لتدعى، كذبا وبهتانا، الفهم الموضوعى لكل ما يجرى فى بلاد العرب وأنها تسمى الأشياء بمسمياتها الصريحة الواضحة.
هذا ما نراه الآن أمامنا من كتابات ومناقشات إعلامية وعواطف هائجة تجاه موضوع بالغ البساطة والوضوح فى رمزيته: نقل مجموعة من مومياوات العصور الفرعونية من متحف قديم إلى متحف جديد. المومياوات هى نفسها التى كانت راقدة عبر سنين طويلة فى المتحف القديم، وقيمتها التاريخية لن تتغير، وارتباط مصر الفرعونية القديمة بمصر العربية الحديثة سيبقى من ظواهر الزمان والمكان التاريخية لمصر ولأمتها العربية ولوطنها العربى الكبير.
لكن، هل يعقل أن يسمح الاستعمار والصهيونية وجهالات وبلادات البعض لمناسبة كهذه أن تمر بسلام وطنى وقومى عروبى رائع ستفاخر به كل الأجيال فى مصر وكل أرض العرب؟ الجواب هو كلا وألف كلا. فالمطلوب هو الاستمرار فى تفريغ ذاكرة شعب مصر العربى الشقيق والذاكرة العربية الجمعية من الأفكار والمواقف والنضالات البطولية القومية العروبية لمصر، وعلى الأخص الناصرية منها، وتسفيهها وجعل كل أسباب المشكلات التى يواجهها القطر المصرى حاليا راجعة إلى إصرار مصر الرائع المسئول على الالتزام بمسئوليات قيادة الأمة العربية نحو وحدتها وتحررها من الاستعمار ونهوضها الحضارى، وإلى استعداد مصر السخى فى العطاء والتضحيات وتحمل ما لا يستطيع غيرها تحمله.
لنأخذ اللغط الآخر بشأن بدعة تكوين وتأليف وتزيين الدين الإبراهيمى الجديد. فجأة يراد لدين الإسلام والدين المسيحى أن يتراجعا دينيا وثقافيا فى الخلف، ومع الزمن أن يختفيا، ليحل محلهما مشروع دين جديد ملىء بالمغالطات التاريخية والرفض المبطن لما جاء به عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد ذلك لن يكون لدينى الأمة الأساسيين دخل بفلسطين وبالقدس وبكنائسها وبمسجدها الأقصى، ومنها سينتقل العرب والمسلمون إلى قبول الاستيلاء الاستعمارى الاستيطانى الصهيونى على فلسطين العربية وما حولها والتعايش مع الأساطير والخرافات التى تروجها الصهيونية باسم الدين اليهودى من أجل جعل غزوها وسرقتها لفلسطين ليس أكثر من تتمة لذلك الدين المتخيل.
وهكذا، من لغط الهوية والالتزامات القومية إلى لغط الدين وإبعاده عن الخالق والوحى الإلهى والكتب السماوية وجعله رواية تاريخية مليئة بالخيال وعناصر الأدب.
ومن اللغط حول الهوية والدين يبدأ لغط السياسة. فجأة هناك مؤامرة على نظام الحكم فى الأردن مكونة من رغبات استعمارية وأحلام صهيونية وطفولة تدخلات عربية. والهدف؟ دفع الأردن لقبول صفقة القرن المجنونة، ولأن يكون وطنا بديلا، ولأن يقبل بأن يكون مكانا آمنا لكل تنظيم استخباراتى أو إرهابى لتدمير ما يراد تدميره فى طول وعرض بلاد العرب، ومن ثم شعوره بالضعف والهوان، وبالتالى الكفر بعروبته وانتمائه القومى، واندماجه التدريجى بألف شكل وشكل فى المشروع الاستعمارى الصهيونى فى فلسطين وباقى أرض العرب.
ثلاثة أمثلة فى سلسلة طويلة من مؤامرات الخارج الاستعمارى الصهيونى والداخل الفاسد الاستبدادى، بدءا بإثارة الصراعات الطائفية والخلافات القبلية والنعرات العرقية بين الحين والآخر، ومرورا بمثل الأمثلة الثلاثة الحالية، ودون أن يكون فى الأفق ما يبشر بنهاية تلونها، تماما كتلون الحرباء السامة.

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved