ترامب وغزو روسيا لأوكرانيا

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 15 أبريل 2022 - 10:50 ص بتوقيت القاهرة

أخيرا انضم الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئيس جو بايدن فى إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا، ووصف حرب روسيا فى أوكرانيا بأنها «إبادة جماعية». وجاءت كلمات ترامب خلال مقابلة تليفزيونية مع شبكة فوكس الإخبارية مساء الأربعاء الماضى، ومثلت هذه الكلمات تطورا كبيرا فى موقف ترامب من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ومن روسيا. وكرر ترامب قوله إن «الرئيس بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا لو كان ترامب فى منصبه كرئيس أمريكى».
وتشير مبررات روسيا الرسمية لغزو أوكرانيا إلى رفض موسكو لرغبة كييف فى الانضمام لحلف الناتو، مع وجود رغبة أمريكية أوروبية بضم أوكرانيا فى المستقبل للحلف العسكرى الأكبر فى العالم. وخلال سنوات حكمه، تحفظ ترامب على علاقة بلاده مع حلف شمال الأطلسى ــ الناتو ــ وقال إنه «بعد 100 عام سينظر الناس إلى الوراء وسيقولون كيف وقفنا خلف حلف الناتو الذى دفع بنا إلى الوراء».
• • •
تذبذب موقف ترامب من غزو أوكرانيا، ففى مفاجأة بلغت حد الصدمة لملايين من الأمة الأمريكية، أشاد ترامب قبل غزو روسيا لأوكرانيا بتحركات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين تجاه أوكرانيا، واصفا إياه بـ«الدهاء» و«بالذكاء»، فى الوقت الذى نعت فيه الرئيس جو بايدن «بالضعف» وبأنه «لم يكن ليصبح رئيسا لولا تزوير الانتخابات». ثم وفى عدد من المداخلات الإذاعية والتلفزيونية، كرر ترامب ما هو معروف عنه من إعجاب بالرئيس بوتين، وبدا متفهما لغزو أوكرانيا، مرجعا ذلك إلى ضعف الرئيس بايدن وعدم تركيزه.
وتعليقا على الاعتراف الروسى بإقليمى دونيتسك ولوجانسك كجمهوريتين مستقلتين وطلبهما مساعدة عسكرية من روسيا، قال ترامب «شاهدت ذلك أمس، وقلت: هذه عبقرية، بوتين يأخذ جزءا كبيرا.. من أوكرانيا ويعلن أنهما جمهوريتان مستقلتان».
وأضاف ترامب أن ذكاء بوتين ليس محل تساؤل، وأنه يعرفه جيدا، مؤكدا أن هذا هو نوع استعراض القوة الذى يمكن للولايات المتحدة استخدامه على حدودها الجنوبية عند المكسيك (فى إشارة إلى رغبته فى وقف الهجرة غير النظامية).
ثم عاد ترامب ليشيد مرة أخرى بمكر بوتين، فى حين انتقد طريقة أداء الرئيس بايدن، وقال ترامب فى لقاء مع مانحين ومشرعين جمهوريين فى منتجعه «مار لاجو» بولاية فلوريدا «يستولى بوتين على دولة مقابل عقوبات بقيمة دولارين، أود أن أقول إن هذا رجل ذكى جدا».
ثم كانت تصريحات الأربعاء الماضى والتى أدان فيها بوتين وروسيا، وهو ما يعكس رغبته فى اتباع خط الحزب الجمهورى والخط الأمريكى العام المعادى لروسيا ولبوتين، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر القادم.
ومع التعاطف الشعبى الواسع الذى تحظى به أوكرانيا، كان من الصعب على ترامب الاستمرار على موقفه المتمثل فى إدانة بايدن ووصف بوتين بالقائد القوى.
• • •
لم يتذبذب موقف ترامب فقط من غزو أوكرانيا، فقد تذبذب من قبل موقفه من حلف الناتو خلال سنوات حكمه الأربع، وتبنى ترامب موقفا صادما للحلفاء الأوروبيين، واصفا الحلف فى تغريدات له بأنه «عفا عنه الزمن» ولم تعد له حاجة.
ثم انتقل ترامب لموقف أكثر عقلانية فى نهايات حكمه من خلال مطالبته أعضاء الناتو بزيادة مساهماتهم المالية مع التأكيد على أهمية الحلف.
وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى نسبة الإنفاق العسكرى بين دول الحلف، وتبلغ مساهمتها 3.5% من قيمة الناتج القومى الإجمالى، وتنفق أغلب دول الحلف نسبا أقل من 2%، مع تعهد بأن تصل إلى نسبة 2% بحلول عام 2024.
وتبنى ترامب سياسة خارجية قومية اعتبرها أكثر إنصافا للمصالح الأمريكية، من هنا شكك ترامب فى دور وجدوى حلف الناتو، وفى الالتزامات المالية للدول الأعضاء فيه والعبء الواقع على واشنطن بدفاعها عن القارة الأوروبية.
وجاء الغزو الروسى لأوكرانيا ليؤكد اعتماد القارة الأوروبية عسكريا على الولايات المتحدة، ويؤكد أن المظلة الأمنية الأمريكية لا تزال حجر الأساس للأمن الأوروبى.
• • •
صدمت كلمات ترامب المؤيدة لبوتين فى بداية الغزو الكثير من الجمهوريين، إذ جاءت كلمات المدح التى أطلقها الرئيس السابق ترامب على خصم أجنبى يخوض مواجهة جيوسياسية مع بلاده بمثابة عمل غير مسبوق بكل المعايير، إلا أن نظرة سريعة على تاريخ ترامب تشير إلى تكرار إشادته ببوتين فى السنوات الماضية.
ولطالما أعرب ترامب عن إعجابه بالرجال الأقوياء الأجانب، وبالرئيس بوتين على وجه الخصوص، لا سيما خلال حملته الرئاسية عام 2016. وفى تلك الحملة، ناشد ترامب الروس مباشرة اختراق رسائل البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، منافسته الديمقراطية. وبالفعل حاول «هاكر» روس اقتحام الخوادم التى استخدمها مكتبها الشخصى فى اليوم نفسه.
وبمجرد انتخابه، تخلى ترامب عما دأبت عليه الإدارات الجمهورية والديمقراطية فى طريقة التعامل مع روسيا، وأظهر مرارا احتراما غير عادى تجاه روسيا.
وفى نهاية قمة جمعت بوتين بترامب فى مدينة هلسنكى فى 2018، وقف ترامب إلى جانب بوتين، وطعن علنا فى استنتاج وكالات الاستخبارات الأمريكية بأن موسكو تدخلت فى انتخابات عام 2016 لمساعدة ترامب.
فى الوقت ذاته التزم كبار قادة الحزب الجمهورى الصمت، وتجاهلوا التعقيب على ما قاله ترامب.
• • •
قبل سبعين عاما، قال الأمين العام الأول لحلف الناتو اللورد هاستينج إيسمى، إن الحلف يهدف إلى «بقاء روسيا خارج أوروبا، وأمريكا داخل أوروبا، وألمانيا داخل حدودها».
وبعد مرور أكثر من سبعين عاما على تأسيس الحلف ومرور أكثر من ثلاثين عاما على انتهاء الحرب الباردة، لن يتوقف السؤال فى واشنطن عن جدوى وأهمية بقاء التحالف العسكرى الذى يجمع الولايات المتحدة بجارتها الشمالية كندا، و26 دولة أوروبية، خاصة مع عدم اليقين بالمستقبل القريب الذي قد يشهد عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved