الليلة مع جون

باسم يوسف
باسم يوسف

آخر تحديث: الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:48 م بتوقيت القاهرة

فى مكان ما فى وسط جزيرة منهاتن بمدينة نيويورك. جلست على مقعدى فى الغرفة المخصصة للضيوف قبل دخولى الى الاستديو. انا الان فى انتظار دورى فى الفقرة الثالثة كضيف على برنامج جون ستيوارت مقدم البرامج الاخبارية الساخرة الاشهر بالولايات المتحدة. انها المرة الثانية التى يستضيفنى فيها فى خلال عشرة اشهر. كنت سعيدا لمقابلة الرجل الذى تحول من نجم اتابعه على مدى سنوات الى صديق مخلص وقف بجانبى ايام التحقيق معى بل ووقف قبل ذلك مع الثورة المصرية ودافع عن حرية التعبير فى مصر اكثر من مرة. ابتسمت حين تذكرت الهجوم الكاسح الذى تعرضت له من جهة القنوات الدينية لان جون ستيوارت يهودى الديانة. فهؤلاء الناس يتكلمون عن سماحة الاسلام وتعايشه مع الديانات الاخرى ولكنهم فى نفس الوقت لا يفرقون بين اليهودية كديانة والصهيونية كتوجه سياسى. ثم نرجع ونصرخ ونبكى ان الغرب يصنف المسلمين والعرب والارهابيين معا فى بوتقة واحدة.

المهم كنت انتظر وقت دخولى للاستديو ولكن قبل ذلك كانت هناك فقرتان. يا ترى ماذا يخبئ اليهودى فى جعبته اليوم؟

بدأ البرنامج بفقرة عن توابع تفجيرات بوسطن المتهم فيها أخوان من اصل شيشانى، كبرا وتعلما فى الولايات المتحدة. لك ان تتخيل طبعا الشحن الاعلامى ضد المسلمين فى أمريكا. ولكن جون ستيوارت عرض بشكل ساخر ردود الفعل فى قناة فوكس المعروفة بتوجهها اليمينى.

يسخر جون ستيوارت من فوكس نيوز بطريقة روتينية، فيبدو ان اليمين المتطرف فى العالم كله هو منجم الذهب المتجدد للبرامج الساخرة. ولكن الجديد هذه المرة انه فى وسط الشحن الاعلامى ضد المسلمين وقف جون ستيوارت «اليهودى» للدفاع عن حقوق المواطنين المسلمين ليس حبا فيهم وليس انحيازا للاسلام ولكن دفاعا عن مبادئ الدستور الامريكى والقيم الاخلاقية والانسانية به. لماذا يختار رجل ان يسبح ضد التيار؟ وبدلا من ان يسخر من هؤلاء الذين استمتعوا بخيرات هذا البلد ثم انقلبوا عليه وبدلا من ان يقع فى فخ التعميم على المسلمين، اختار ان يدافع عن المبادئ التى تجعل بلاده فى نظر البعض قائدة العالم الحر كما يقولون.

تابع جون ستيوارت تصريحات وتعليقات مذيعى وضيوف قناة فوكس. وقارن بين تعديلات الدستور الامريكى التى تعرف مجمعة بوثيقة الحقوق وبين ما يطالب به هؤلاء اليمينيون فهاهو «شون هانيتى» المذيع المشهور بفوكس يطالب بالسماح باستخدام وسائل التعذيب لاستخلاص المعلومات وخاصة طريقة الغمر بالماء او ما يعرف باسم «water boarding» فيعلق جون ستيوارت بأن هذا خرق للتعديل الثامن (بعدم تطبيق عقوبات غير عادية او وحشية).

ومذيع اخر يطالب باعادة فتح باب النقاش بفرض الرقابة على المساجد والتفتيش الدورى عليها. فيرد جون ستيوارت بأن هذا خرق للتعديل الرابع على الدستور الذى يمنع التفتيش او اقتحام خصوصيات الناس بدون اذن قضائى او ادلة كافية.

يستمر جون ستيوارت فى عرض التعليقات العنصرية فهاهو أكثر من مذيع يعترض على قراءة الحقوق على هؤلاء المشتبهين فيما يعرف باسم حقوق ميراندا والتى تقضى بحق المقبوض عليهم فى التزام الصمت وتوكيل محام لهم. وجاء حق او اعلان ميراندا الذى تم سنه فى عام 1966 بعد انتهاك الشرطة فى اريزونا حقوق «ارنستو أرتورو ميراندا» المنصوص عليها فى التعديل الخامس من الدستور.

تابعت الحلقة وأنا أتعجب. ففى خضم الجو العاطفى المشحون حيث يطالب الناس برؤوس هؤلاء يخرج ذلك الرجل ليتحدث عن الحقوق المنصوص عليها فى الدستور حتى لمن يعتبرهم البعض ارهابيين.

ثم توالت رسائل الكراهية من فوكس، فعرض مقاطع لأكثر الرؤوس اليمينية المتطرفة وهى «أن كولتر» وغيرها الذين طالبوا ان يعاملوا كمجرمى حرب فتنزع منهم حقوقهم كمواطنين ويعاملوا كإرهابيين مكانهم الوحيد سجن جوانتانامو فيرد جون ان هذا انتهاك للتعديل السادس الذى ينص على حق المواطن فى محاكمته من خلال هيئة محلفين مدنية وليست محاكمة عسكرية.

ثم يطالب مذيع اخر بعدم قبول الطلاب العرب والمسلمين فى الجامعات الامريكية الا بعد مرورهم باختبارات تضمن ولاءهم، ثم تختمها المتطرفة «أن كولتر» بالمطالبة بأن تنزع زوجة المشتبه الاول حجابها.

فيصرخ جون ان ذلك انتهاك للتعديل الاول الذى يمنع الكونجرس من دعم ممارسة أى دين أو منع ممارسة أى دين آخر وأيضا انتهاكا للتعديل التاسع الذى يمنع اى تعديل فى الدستور يمنع اى من الحقوق الممنوحة للشعب.

وفى النهاية سخر جون ستيوارت من اليمينيين المتطرفين الذين على استعداد لنقض كل الحقوق فى الدستور ماعدا التعديل الثانى الذى ينص على الحق فى امتلاك الاسلحة. واظهر جون احصائية توضح ان عدد الذين تم قتلهم فى حوادث ارهابية على مدى ثلاثين سنة هو 3400 قتيل بينما بلغ عدد ضحايا الاسلحة النارية تسعمائة ألف قتيل.

أمضيت أياما بعد هذه الحلقة افكر فى دستورنا الذى كتب علينا، والذى يعطى مجالا واسعا لترسيخ التعصب والطائفية فى مجتمع ينزف يوميا بسبب التعصب وكراهية الاخر باسم الدين. ولكن للامانة فنحن لسنا بحاجة لدستور لترسيخ ذلك فنحن نفعل ذلك بدون اى مساعدة قانونية أو مساندة دستورية.

وأنا اشاهد هذا اليهودى وهو يدافع عن حقوق المواطنة لأقلية مسلمة لا تتعدى خمسة فى المائة من السكان، ليس من منظور دينى ولكن من منظور انسانى ومجتمعى وحقوقى بحت، وانا اشاهد ذلك تخيلت لو ان نفس السيناريو حدث هنا وكان المتهم شيعيا أو بهائيا أو مسيحيا. يا ترى ماذا سيقول شيوخ الفضائيات ودعاة آخر الزمن الذين مازالوا يتخبطون فى فتاوى الولاء والبراء وتهنئة المسيحيين فى أعيادهم، والذين يخرجون علانية ليهيجوا الرأى العام على الكنيسة والمسيحيين.

جاء الاسلام للإنسانية كافة ولكن حاصره تجار الدين فى دائرة الطائفية الضيقة المقيتة.

الشيخ محمد تعيلب، رحمه الله، كان من شيوخ الازهر وكان يقول: «لا بد ان نتعلم ما يصير به الانسان انسانا قبل ان نتعلم ما يصير به المسلم مسلما». تربينا ان ديننا دين الانسانية ودين التعايش، وللاسف كبرنا لنجد أن من يسيطرون على الفضائيات والقرار السياسى ابعد ما يكونون عن الانسانية، وأقرب ما يكونون للعصبية والقبلية. والان نجد أن من يدافع عن حقوق المسلمين فى الخارج من ليس على ديننا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved