فى هذه المرحلة من القهر

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 14 مايو 2014 - 2:35 ص بتوقيت القاهرة

«سوف أريك هذه البلاد ذليلة بائسة، وما لم يكن يحدث أبدا قد حدث».

هكذا تحدث كاهن مصرى مجهول قبل أكثر من أربعة آلاف عام، فى نبوءة تبشر بقائد مخلص، وزعيم منقذ.

إنها تمهيد لظهور أمنمحات الأول، مؤسس الأسرة الثانية عشرة، الذى حكم من 1991 إلى 1962 ق.م.

كان أمنمحات وزيرا للملك منتوحتب الرابع، ثم أطاح به من السلطة، ويذهب بعض الباحثين إلى أنه قتله للاستيلاء على الحكم، ولكن ليست هناك أدلة مؤكدة على ذلك، والبردية مكتوبة فى عهده، ما يجعلنى، كواحد من أبناء مهنة الإعلام، أفكر فى أن نبوءة الملك المخلص أضيفت للبردية فى عهد الملك المخلص نفسه.

استدعى الملك سنفرو، كما تقول البردية، هذا الكاهن، وطلب منه أن يخبره بما سيحدث فى المستقبل، وانهمرت النبوءات.

«سوف أريك الابن وقد أصبح عدوا، والأخ وقد صار خصما. لسوف أريك الأرض ترسف فى الأغلال، وإقليم هليوبوليس لم يعد مستقرا للآلهة».

هنا يلتقط نفر رو أنفاسه، ويبدأ فى التمهيد لظهور المنقذ أمنمحات الأول. «ملك من الجنوب اسمه أمينى، يقيل البلاد من عثرتها».

النبوءة تشبه فى بعض تفاصيلها النبوءة الأكثر شهرة، للحكيم إيبور، فى بردية محفوطة بمتحف ليدن بهولندا.

إيبور أقرب إلينا مما نتصور، فهو يكتب نصه الطويل المدهش فى أعقاب ثورة شعبية مهولة، ضربت البلاد فى نهاية عصر الأسرة الحادية عشرة (2132 ق.م)، واستمرت الثورة نحو مائة وخمسين عاما. وفى كتابه الجميل «أول ثورة على الإقطاع»، يقول الكاتب الراحل محمد العزب موسى إنه «فى مرحلة معينة من عملية القهر الاجتماعى الذى تباشره الطبقة المسيطرة ضد الطبقة المقهورة، يتخذ الصراع المستتر بينهما شكلا علنيا، فتندلع الثورة».

يصف العزب موسى الثورة بأنها كانت «طبقية بكل معنى الكلمة، قلبت الأوضاع الاجتماعية رأسا على عقب، وتعد أقدم ظهور للصراع الطبقى فى التاريخ».

وإيبور حكيم من أهل البلد، استطاع أن يقتحم عزلة ملك عجوز مجهول الاسم، «ليحدثه فى أسلوب ملىء بالأسى والغضب عن ثورة طاحنة سحقت كل عود أخضر فى البلاد. ويبدو أن الملك كان يجهل حقيقة الأوضاع، لأنه كان كما يقول الحكيم إيبور، قابعا فى قصره بين رجال حاشيته، الذين يغذونه بالأكاذيب».

يتحدث إيبور عن أعمال السلب التى نفذها الثوار ضد الأغنياء، ووصلت لنهب القصر الملكى نفسه، «وأصبح اللصوص يختبئون فى الأكمات، حتى إذا أتى المسافر ليلا انقضوا عليه، فسلبوا أحماله، وما لديه يُسرق، ويضرب بالعصا حتى تخمد أنفساه، ثم يُذبح ظلما».

يضيف: وفى الحق أصبحت التقوى اسما فقط، والظلم يسود بدلا منها.

حرثت الثورة أرضا شاسعة من ثقافة المصريين، ومن بين ما طالته نيرانها العقائد الدينية، إذ غمرت البلاد بعد الثورة موجة من الشك والإلحاد، والاستهتار بالآلهة. وكان الجزارون، طبقا لشهادة إيبور، «يذبحون طيور الإوز، ويقدمونها للآلهة على أنها ثيران».

يناشد الحكيم الملك أن يفعل شيئا لإنقاذ البلاد، ويبدو أن الملك يرد مدافعا عن نفسه، ملقيا تبعة ما يجرى على غارات البدو. ويبدو أيضا أن الحكيم يئس من إقناع الملك برؤية الحقيقة، فبدأ يغير الموضوع، ويتحدث عن «عصر ذهبى، سوف يغمرنا بنوره».

نحن أيضا فى حاجة لتغيير الموضوع، فالنبوءة ما زالت صالحة لإشاعة الأمل، والحلم بعصر ذهبى، سوف يغمرنا بنوره، وقريبا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved