كتالوج جديد للتطبيع

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأحد 14 يونيو 2009 - 10:16 ص بتوقيت القاهرة

 كنا مجموعة من نزلاء الفندق الصغير، المختبئ وسط غابات الجبال التركية، نتجمع حول مائدة إفطار جماعية، شأن هذا النوع من الفنادق الصغيرة. كنت أتأمل مجرى المياه الطبيعية الذى يهدر قريبا، عندما فاجأنى أحدهم قائلا: أهلا بك، أخبرنى صاحب الفندق أنك مصرى. قلت: صحيح، وأنت؟. قال بهدوء: من إسرائيل.

تسارع نبض قلبى وأحسست بمفعول الأدرينالين فى أعصابى، ولم أعرف ماذا أفعل، خاصة أن الحضور صمتوا انتظارا لما يسفر عنه الحوار، وكنا فى بداية التسعينيات، قبل موجة أوسلو وتوابعها.

لم ينتظر الرجل حتى أجمع شتات القرار الصحيح فى هذا الموقف، فسألنى عن مدينتى، قلت: الإسماعيلية. رد بهدوء كأنه تمرن على إلقاء العبارة عشرات المرات: دمرناها تقريبا فى حرب الأيام الستة.

دون أن يقصد ساعدنى الرجل على إنهاء الحوار، فقد أحسست بالغصة التى قصد أن يمررها بعبارة شامتة قليلة الذوق، وتوقفت عن الكلام معه.

كلمة «التطبيع» دخلت قاموس السياسة المصرية فى أعقاب كامب ديفيد، كأسوأ اتهام يمكن أن يوجه إلى سياسى أو صحفى. ولأن اختلاف النهار والليل ينسى، لم يعد الاتهام مخيفا كما كان، بل أصبح فى الإمكان الرد عليه بعبارة «أيوة أنا تطبيعى».

تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار القرون الوسطى، وحملة الاعتذار التى يحلم فاروق حسنى بأن توصله إلى اليونيسكو، وترجمة كتب إسرائيلية «عبر وسيط»، والتعامل مع صحفى إسرائيلى هنا أو هناك، كلها قضايا خرجت من حيز التراشق القديم بين «الوطنيين والخونة»، وصارت أخبارا تنشرها الصحف بجوار أخواتها بصورة عادية.

وفى مقاله «أسئلة استنكارية فى المسألة التطبيعية»، طالب صلاح عيسى من وصفهم بالرافضين للتطبيع بتجميع صفوفهم المتناثرة «فى هيئة وطنية شعبية» تعيد ضبط تعريف مصطلح التطبيع، خاصة أن الأستاذ صلاح يتوقع «موجة جديدة من الهجوم التطبيعى خلال الفترة المقبلة».

إعادة تعريف التطبيع سوف تحول الكلمة من مصطلح فضفاض، وتميع ملامحه بين دلالات سياسية وأخلاقية ووطنية، إلى مصطلح يتمتع بالدقة القانونية. والمثال على ذلك نقابة الصحفيين، التى اتخذت موقفا متشددا وقويا ضد التطبيع منذ البداية، لكن هل نتذكر أنها حققت مع المطبعين سابقا أو لاحقا، أو أنها تعاملت مع الجميع بمكيال واحد؟.

التعريف المانع الجامع للتطبيع لابد أن يبدأ من مصلحة مصر ومستقبلها، ولابد أن يتضمن «دليل استخدام» للمواطن، يوضح كيفية التعامل مع إسرائيل الدولة أو والأفراد، على طريقة دليل وزارة الصحة للتعامل مع الطوارئ، حتى لا يتكرر موقفى المتردد الضائع أمام أول وآخر إسرائيلى رأيته فى حياتى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved