«شعر العامية»


أحمد مجاهد

آخر تحديث: الأحد 14 يونيو 2009 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

 عند الحديث عن شعر العامية ينبغى عدم الخلط بين ثلاثة أنواع شعرية تستخدم العامية وهى على التوالى:
1ــ الشعر الشعبى: بما له من خصائص جمعية تتعلق بالموضوع والشكل الفنى والمشافهة وطقوس الأداء والملكية العامة والتأليف المشترك.

2ــ الزجل: بما فيه من مباشرة مقصودة فى معالجة موضوعاته التى تتصل غالبا بالنقد الاجتماعى، حيث يرتكز فى المقام الأول على عنصرين فقط من عناصر الشعرية هما الوزن والقافية.
3
ــ الشعر العامى: وهو شعر تكتمل فيه عناصر الشعرية، فإلى جوار الوزن والقافية نجد الصور والعوالم والحالات الشعرية، والإيقاع، والرموز الفنية، والتشكيلات الجمالية، والرؤى الفكرية. ومن شأن هذه العناصر أن تنتج قصيدة واثقة ترتكز على خلفية ثقافية تراثية وعالمية، ولا تقصر عن متابعة كل ما هو جديد فى تقنيات الإبداع الشعرى أيا كانت لغته.

والنوع الذى نقصد الحديث عنه هنا هو شعر العامية، الذى اتهم أصحابه بأنهم ضد القومية العربية، بسبب كتابتهم باللهجات المحلية، وإن كانت الدوافع الفكرية والسياسية الكامنة خلف الكتابة بالعامية المصرية مثلا فى بداية الستينيات كان أبرزها الانحياز للطبقات الشعبية والترويج للمد القومى بالقصيدة والأغنية بين العامل والفلاح، وعلى هذا يكون دافع الاختيار اللغوى للعامية لدى هؤلاء الشعراء دافعا قوميا وليس دافعا مضادا للقومية. ورحم الله العقاد الذى أدرك هذا مبكرا حين قال: «إن اللهجة العامية التى اتخذها بيرم أداة له فى الكتابة لا تتناقض أبدا مع العروبة والثقافة العربية، لأن بيرم لم يكن يكتب بالعامية ليعبر عما هو إقليمى ومحدود، بل ليعبر عن الروح العربية بلهجة شائعة من اللهجات التى يتكلمها العرب فى حياتهم اليومية».

كما تجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن اختيار العامية لغة للإبداع الشعرى أمر لا علاقة له مطلقا بالسوقية والابتذال والتدنى الفنى، فكما يقول «باختين»: إنه «من الواضح أن اللهجات بدخولها إلى الأدب ومساهمتها فى لغته، تفقد صفة كونها أنساقا اجتماعية لسانية مغلقة. إنها تتشوه، وحاصل الكلام فإنها تكف عن أن تكون ما كانت عليه بصفتها لهجات»، حيث تكتسى العامية فى إطارها الشعرى ثوبا جديدا يكون بالتأكيد أبهى من أثواب الفصحى إذا كان الشاعر العامى أكبر موهبة من الشاعر الفصيح.

كما أن الأفكار المطروحة فى القصائد العامية قد تكون فى كثير من الأحيان أكثر عمقا وفلسفة من نظيرتها فى الفصحى، فكما يقول إبراهيم فتحى: «لن يصعب على أحد التأكد من أن بعض أنواع (الفصحى) فى الشعر كانت بعيدة عن الفصاحة العربية الحية، وأن بعض أنواع (العامية) كانت أقل انتماء إلى (عامة) الشعب العربى فى مصر».

وفى هذا السياق المقارن بين العامية والفصحى تبرز مشكلة أخرى وهى: هل العامية لغة أم لهجة؟
ولا شك أن مصطلح (اللغة العامية) هو الذى أوغر صدور المهاجمين للعامية خشية أن تكون بديلا جديدا (للغة الفصحى). وربما كانت هذه التسمية تسمية مقصودة ومغرضة، لأننا لم نصادف واحدا من شعراء العامية يعترف بها، سواء فى تنظيره أو إبداعه.

فالشاعر فؤاد قاعود يعترض أشد الاعتراض على هذه التسمية، أى ( اللغة العامية)، حيث يقول: « لقد آن لنا أن نتخلص من هذا الخطأ الشائع والوهم الباطل، فليس هناك شىء بهذا الاسم.. هناك لغة واحدة هى العربية، وليست لهجتنا إلا قراءة مصرية للعربية».

وهذا نفسه هو ما يظهر جليا لدى الشاعر فؤاد حداد فى قصيدته «أعمال الثورة» التى يبدأ مقطعها بالفخر بالعرب والعروبة واللغة العربية لغة القرآن، حيث يقول:

آه يا عــرب يا عرب بـهــجــة
يا خضر فى الصحراء الواهجة
أنفاسى فـى دروبكم ناهـجـة
يا مـعـجـزة رحــمـة وكـتـاب
لســـان بنــى آدم مـهجــــة
قـبلــت مــن مصـر الأعــتاب
وشــربت مـن مصــر اللهجـة

وقد امتد هذا الإحساس بعروبة اللهجة العامية وعدم خروجها عن نسق اللغة الأم من الرائد إلى الأبناء، حيث يقول عمر نجم:

بنقول ونعشق ما نقوله
موالنا عربى..أرغـــوله

ويحدثنا فؤاد حداد عن ثقافته وتراثه الثقافى فى الحضرة الرابعة التى تحمل عنوان «هذا لسان عربى مبين» فإذا به تراث فصيح:

أنا يا نبى عــارف بيوت الحـــــى
مـــن حـــــبذا ريـــح الـولــد
ريــح الخــــزامــى فـى البـلـد
للنابغــة وزهـــير وحــاتم طـى
ولمطلع القرن الخـمـســتاشر
لغة العرب فى قلبى تضوى ضَىّ
لـغـة العـرب هــى اللـى بتــزوِّد
فـى كل لـيلـة عـندنا القــنديل

فنكتشف أنه لا يفرق بين الشعر والشعر على أساس فصاحته أو عاميته، بل على أساس جودة السبك، ولهذا فأساتذته فى صناعة الشعر هم عمالقة الشعر الفصيح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved