الطوفان

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 14 يونيو 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

سمكة حمراء تقطع الحوض الزجاجى، ذهابا وإيابا، فخورة بلونها وبوحدتها واستقلاليتها. وبما أن السمك لا ذاكرة له، فهى تنسى أن هناك من يأتى لها بالأكل يوميا ويغير المياه، وإلا لتعفن الوعاء ولكان مصيرها مجهولا. هى تعيش لأن هناك من يعتنى بها، فى حين تظن أنها مركز الكون.. والساكن الوحيد للحوض الشفاف الذى لا ترى على زجاجه سوى صورتها. إذا ما أضيفت سمكة أو أكثر وأصبحت المشاركة لزاما عليها، ستظل سيناريوهات التأقلم مفتوحة، إما أن تتقبل الوضع وتندمج حتى لو بصعوبة فى البداية وإما أن يتحول الوعاء إلى ساحة معارك واسعة الانتشار، أو يقضى طرف على الآخر لاستحالة التعايش وتتحول القصة برمتها إلى جحيم وتمرد مستعر...

***

الأنانية من أقدم الخصال والمشاعر الإنسانية.. هى جزء لا يتجزأ من طبيعة البشر، لكن حين تصبح السمة الغالبة على أفراد مجتمع ما فالحياة لا تطاق. وهو ما نجربه بشكل دائم من حولنا خلال التعامل مع أشخاص لا يرون سوى مشكلاتهم الضيقة ولا يبالون سوى برغباتهم ومطالبهم، ولا تنطبق عليهم معايير المجتمعات الفردية الديمقراطية، بل هم يمارسون الأنانية فى صورتها البدائية، تماما مثل الطفل المفطور على إشباع غرائزه: يأكل ويشرب ويدلل ويحمم، دون كلمة شكر أو إحساس بالعرفان، لأن ذلك يأتى فى سياق طبيعى، فهذا واجب الأهل. ذلك طبيعى حتى سن السابعة أو الثامنة، بعدها من المفترض أن يبدأ الطفل فى التعرف على المحيط بدافع حب الاستطلاع والاهتمام بالآخرين.. يخرج من عالمه المتمحور حول الذات ويكتشف ويتفاعل. لكن أحيانا يظل البعض حبيس مرحلة الطفولة الأنانية، وعندما يكثر عدد هؤلاء بدرجة مبالغ فيها ويرفع الجميع شعار «لا تبالى سوى بنفسك! أنا ومن بعدى الطوفان» فذلك نذير بقدوم الطوفان فعلا ودليل على انهيار ثقافى يؤدى بالضرورة إلى شقاء المجتمعات ونهايتها. يختفى المشترك والإشباع المتبادل، ويسعى كل طرف لتحقيق رغباته على حساب الآخرين، لا يهم سوى راحته ومصلحته الشخصية.. نرجسى داخل مجتمع نرجسى إلى زوال، لأن هذا واقع من المحال أن يستمر. دائرة تغلق على نفسها بنفسها، وعيوب التربية لا مهرب منها.

***

ومن المنطقى فى هذا الإطار أن تزداد حالات الطلاق أو عدم الارتباط من الأساس لأن علاقات الزواج تدخل تحت بند المشترك الذى لا قيمة له أو قد يربك منظومة الأنانية. وأيضا يتساءل الأهل لماذا يعاملنا أبناؤنا هكذا؟ وهم ببساطة يحصدون ما زرعوه على مدى سنين طوال، إذا كنت مثالا للأنانية تتحرك على قدمين فماذا تنتظر؟ تدوى صرخة الابنة فى وجه الأم يوما: أنا أتعامل معك على هذا النحو لأنك من علمتينى الأنانية عندما تركتينى وهرولتى وراء رغباتك وطموحك! لا تبتئسى وقتها ففاقد الشىء لا يعطيه، والصفر لا يقبل القسمة. ولا تستغرب أن تعج كتب التاريخ بالحروب والصراعات والمصائب، فأنانية الشعوب أيضا لا تترك مجالا للوحدة والعمل المشترك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved