كلنا غشاشون

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 14 يونيو 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

حالة من الغضب اجتاحت المجتمع نتيجة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة على مواقع الكترونية وصفحات التواصل الاجتماعى، وبلغ الأمر بوزير التعليم أن يرى فى الدستور عقبة كئود أمام اقتراحه بإغلاق الفيس بوك أو حتى الإنترنت برمته إبان الامتحانات، وهو اقتراح يكشف عن نهج بيروقراطى تقليدى، يخلو من الإبداع، ويستسهل إغلاق النوافذ.


لا أرى سببا فى الغضب المتصاعد، ولو كنا أمناء مع أنفسنا لما غضبنا مما يحدث، لأنه ليس بجديد على المجتمع، الذى يرفع لافتة التطهر الشكلى، وادعاء الفضيلة، بينما هو غارق لأذنيه فى الفساد.

هل المشكلة فى التسريب أو الغش فى الثانوية العامة، وماذا عن الغش التجارى، والغش فى ممارسة الحرف، حتى الغش والسرقات العلمية فى الجامعات، وفى الدواء الذى يتناوله المريض... الخ. ألا يشكو المجتمع المصرى من تدهور فى معدلات «الأمانة» و«الالتزام المهنى»؟

ولماذا ننزعج من تسريب أسئلة الثانوية العامة، ألا نسمح لمنابر إعلامية بتسريب الخصوصيات، وانتهاك حرمة الحياة الشخصية؟ وهل أولياء أمور الطلاب والطالبات يحضون أبناءهم على رفض الغش وعدم البحث عن التسريبات أم يدفعونهم دفعا لتحقيق أعلى الدرجات بأى وسيلة؟


نحن مجتمع يخشى الفضيحة ولا يخشى الرذيلة. على استعداد أن نكسر إشارة المرور إن لم يكن هناك من يراقب ويسجل المخالفة، ولو اتيحت الفرصة أمام كثيرين لتهربوا من الضرائب، وسداد فواتير الكهرباء والمياه، وعدم دفع تذكرة المواصلات العامة «الزهيدة»، وأخذ سلعا مدعمة على بطاقة التموين لا يستحقونها.


صحيح أن فى التسريبات والغش اختلالا فى الفرص أمام طلاب وطالبات الثانوية العامة، لكنهم ليسوا استثناء، بل هم جزء من كل، فقد أدى اختلال المعايير والفرص فى المجتمع إلى صعود طبقات طفيلية، تقوم على الكسب السريع، والمضاربة، والمتاجرة فى الممنوعات بجميع أشكالها، مجتمع «تحتى» تشكل من الفساد، له آلياته، وقواعده، وضوابطه.


القضية ليست فقط فى الثانوية العامة، ولكن فى حال مجتمع برمته، وسوف تقف التسريبات والغش حين ينتظم حال المجتمع، وينصلح شأن التعليم، وتختفى الرهبة الشديدة التى تحيط بنظام الثانوية العامة، ويصبح النظام التعليمى، وبالتالى الامتحانات تستند إلى الابتكار، وليس إلى الحفظ والتلقين، وتختفى الدروس الخصوصية، ويصبح الحال شأن بقية دول العالم المتقدم، التعليم متاح، ما بين تعليم فنى يجتذب قطاعات واسعة، وتعليم فى العلوم الاجتماعية يجتذب جمهورا أقل.

سوف يختفى الغش حين يدرس الطلاب والطالبات داخل المدارس مبادئ التربية المدنية، والأخلاق والقيم، ويمارسون الحياة الاجتماعية الصحيحة، ويدركون أن الغش «من الكبائر الاجتماعية» شأنه شأن الكذب، لا فيه أبيض ولا أسود، يلاحق العار مرتكبه، مثلما يحدث فى المجتمعات التى تستند إلى ثقافة مدنية

راسخة من القيم والفضائل العامة. لماذا لا نسأل أنفسنا سؤالا بديهيا: فى المجتمعات المتقدمة شرقا وغربا، ترتفع القدرات التقنية والفنية لدى الأجيال الشابة، لماذا لا يستخدمونها فى الغش؟


القيم قبل الوسيلة، وهى الضامن الأساسى لحسن استخدام الوسيلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved