حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة في الدور الذي يبحث عن بطل

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الأحد 14 يونيو 2020 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت "الشروق" عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات "حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة" تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر "الشروق".

على مدار التاريخ الحديث واجه وطننا العربي تحديات جسام، وبقدر ما كانت هذه الدولة العربية أو تلك تبدي استعداداً لمواجهتها وتتمكن من ذلك ولو جزئيا، كان ينعقد لها ما نطلق عليه قيادة الأمة العربية. حدث هذا في مرحلة الخمسينيات عندما كانت قضية الاستقلال الوطني هي القضية الأبرز على الساحة العربية وكان الاستقطاب في ذروته على الساحة الدولية. استطاعت مصر أن تواجه تحديات هذه المرحلة التاريخية، ولعب جمال عبد الناصر دوراً لا يمكن إنكاره في دعم حركات التحرر الوطني وفي القلب منها القضية الفلسطينية. تصدّر المعركة ضد الأحلاف العسكرية وأسَس حركة عدم الانحياز مع عدد من القيادات التاريخية من خارج المنطقة. هكذا وبحكم الأمر الواقع انعقدت لمصر قيادة الأمة العربية، وذلك لأن مصر كما قال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" نهضت بالدور الذي كان يتجول في المنطقة "هائماً على وجهه" حتى استقر عند حدودها، ثم أردف قائلا إنه في ذلك الوقت "فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به". إذن كان هناك دور عربي مطلوب بشدة وكانت هناك قدرة ورغبة مصرية في أدائه، لكن كما تعلمنا في العلاقات الدولية فإنه لا يكفي أن تتوفر القدرة والرغبة للفاعل الدولي كي ينجح في أداء الدور، بل لابد أيضاً من أن تتوفر البيئة الخارجية المناسبة، وقد واجه الدور المصري من اللحظة الأولى معوقات ركزت على ضرب النموذج فوقع عدوان ١٩٥٦ ومن بعده حرب يونيو ١٩٦٧.
***
اعتباراً من نهاية السبعينيات طرحت المستجدات الإقليمية مجموعة أخرى من التحديات، بعضها كان قديماً لكنه اكتسب أبعاداً جديدة مثل القضية الفلسطينية التي اختلف مسارها جذرياً بتوقيع معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية وما تلاها من عزل مصر، وبعضها الآخر كان جديداً تماماً كما هو الحال مع الثورة الإيرانية التي أنشأت نظامًا طائفياً ثورياً في قلب منطقة الخليج. ولم تساعد هذه التحديات بحكم طبيعتها على استتباب نمط محدد للقيادة، بل يمكن القول إن دور القيادة ظل "هائما على وجهه" في المنطقة، يقف تارة عند حدود السعودية بسبب وفوراتها المالية وسياسة المساعدات للدول العربية المأزومة اقتصادياً، ويقف تارة أخرى عند حدود العراق الذي قدم نفسه باعتباره حامياً للبوابة الشرقية وقائداً للوحدة العربية. تتشارك حيناً في هذا الدور السعودية وسوريا (معادلة س- س) مع مصر بعد أن فتحت مبادرة فاس الطريق لمنطق الأرض مقابل السلام وصولاً لاتفاقية أوسلو، وتتم إزاحة سوريا حيناً آخر بعد اصطفافها مع إيران وهو الاصطفاف الذي سرعان ما تطور إلى حد التماهي. مثل هذا التيه الذي دخل فيه دور القيادة كان للظروف الخارجية تأثير كبير عليه، وفي حالة العراق تحديداً فلقد تطور الأمر معه من تدمير إسرائيل مفاعله النووي، إلى استدراجه لاحتلال الكويت، إلى احتلاله هو نفسه بخدعة أسلحة الدمار الشامل. وهكذا وجدنا المفكر الكبير شفيق الحوت يكتب مقالا في عام ١٩٩٨ بعنوان "دور يبحث عن بطل"، وهي نفس الفكرة التي سبق أن أشار لها عبد الناصر، مع فارق بسيط هو أن الحوت حصر الدور الهائم الذي يبحث عن بطل في حل القضية الفلسطينية بعيدا عن اتفاقية أوسلو .
***
وبينما نحن في خضم التحديات الناجمة عن آثار الربيع العربي إذا بتفشي وباء كورونا يفاقمها ويجعل ما قبل الوباء يختلف كلياً عما بعده. وفي حين أفلتت النظم الملكية من نتائج الربيع العربي وبدت هي المرشحة أكثر من غيرها لقيادة الأمة العربية، فإن انتشار الوباء قد جاء ليعصف بالجميع واضطرت كافة الدول العربية إلى اتخاذ تدابير قاسية تضمنت خفض الإنفاق وترشيد الاستثمار وزيادة الضرائب وتسريح العمالة، وهذه التدابير ستكون لها انعكاساتها الكبيرة على مستوى الرضاء العام في الداخل، وكذلك على توظيف الأداة الاقتصادية في تنفيذ السياسة الخارجية. ومع أهمية التحدي الاقتصادي الذي سيواجه أي دولة تريد أن تتصدى للقيادة، فإن هناك تحدياً غير مسبوق أسميه التحدي الوجودي لدور القيادة، وذلك لأن التفكيك صار سيفاً مسلطاً على رقاب ثلاث دول عربية على الأقل، ولأن النزعات الانفصالية تتستر خلف دعاوي الفيدرالية التي لا تكاد تسلم منها دولة عربية، ومثل هذه التجزئة الحالية والمحتملة تنقلنا من مستوى السؤال عن من يملك مقومات القيادة من قوة اقتصادية وعسكرية وسكانية وخلافه إلى السؤال عن من يكونوا المستهدفين بالقيادة وما إذا كانوا ينتمون لدول أم ينتمون لأقاليم وقبائل وطوائف كانت تُشكّل فيما مضى جزءا من دول؟ وإذا كان من المفترض أن تكون للقيادة عوائدها المجزية كما أن لها تكاليفها العالية فأي عوائد تُرجى من ممارسة القيادة على أجزاء/ أشلاء الدول وفتاتها؟ إن هذا السؤال يفتح الباب على مصراعيه لمناقشة مستقبل الصراعات المسلحة ومن يستطيع احتواءها، وذلك باعتبار أن هذه الصراعات هي المصدر الأساسي لاستنزاف الموارد الاقتصادية وتقسيم الدول والتدخلات الخارجية، وهي التي حشرت القضية الفلسطينية في الزاوية كما لم يحدث من قبل.
***
يقولون إن الدول صارت في حاجة لعقد اجتماعي جديد بعد وباء كورونا، وأظن أننا قبل أن نناقش لمن تنعقد القيادة نحتاج إلى عقد مشابه على المستوى الإقليمي حتى تتضح الأمور، فلا قيادة مع الاستقطاب والصراع، ولا استقرار للقيادة مع تصفية القضية الفلسطينية، ولا تعزيز للمكون الاقتصادي للقيادة في ظل الاقتصاد الريعي، ولا مصداقية "لعروبة" القيادة ما لم تقترن بعروبة اللسان. وإذا كان التعاقد الداخلي يبدو صعباً وهو كذلك، فإن التعاقد الإقليمي أصعب، ومع ذلك فإنه ضروري هذا إن شئنا ألا يظل الدور هائما على وجهه في المنطقة يبحث عن بطل وربما أبطال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved