الناقد والفنان

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 14 يونيو 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

العلاقة بين الفنان والناقد السينمائى علاقة شائكة، معقدة، لا تخلو من صراع موضوعى أحيانا، ومفتعل فى بعض الأحيان، فكل طرف يرى أنه الأجدر بتشكيل ذائقة الجمهور المتلقى لأعمال فنية من المفترض أنها تستهدف تهذيب النفوس البشرية، وصون القيم الإخلاقية التى تحافظ بدورها على جوهر الإنسانية ذاتها، بما يجعلنا نستظل براية الجمال، فى مواجهة القبح المتولد عن الأنانية والطمع والجشع والاستبداد.
وفى خضم العلاقة الجدلية بين الناقد والفنان، تتشكل قناعات، وتترسخ مفاهيم، ليست بالضرورة، فى مصلحة وجهى العملة الواحدة، فالفنان لا يمكنه أن يسبح فى بحر هائج الأمواج، بلا بوصلة الناقد البصير، والناقد بدوره لا يستطيع توجيه سفينة لا تربطه بملاحيها مساحة من التفاهم على لعب الأدوار حتى يصل الجميع إلى بر الأمان، ويتجنبون غرق «السينما» فى الأعماق.
وعن العلاقة الشائكة والملتبسة بين الناقد والفنان، خصصت مجلة «الفيلم» الصادرة عن نادى سينما الجيزويت، التى يترأس تحريرها زميلنا المثقف سامح سامى، عددها الأخير «مايو 2021»، للبحث فى طبيعة العلاقة بين طرفين لا غنى لأحدهما عن الآخر، فى إطار ما تقدمه هذه المجلة الرصينة من جهد خدمة لصناعة السينما، وحتى «يكون الاهتمام بالبشر وتجاربهم، بديلا عن الاهتمام الواهم بالمعدات، وخطوط الانتاج».. وحسب سامح فى مقاله الافتتاحى: «الإنسان أهم من الكاميرا».
مجلة «الفيلم» التى يترأس مجلس إدارتها الأب وليم سيدهم، بدت، إن لم أكن مخطئا، أكثر انحيازا للناقد فى غياب رؤية الفنان، من غلافها وحتى صفحتها الأخيرة، فجاء عددها الأحدث تحت عنوان: «النقد السينمائى.. قلم يكتب صورة»، حيث تصدت كوكبة من النقاد لمناقشة القضية بعمق، وإن كانت من وجهة نظر أحد طرفى المعادلة فى غالبية السطور، لكنى توقفت كثيرا عند مقال الناقد الكبير، عصام زكريا، الذى حمل عنوان «الناقد.. ديوجين العصر المنبوذ».
زكريا استعرض الدور الذى يجب أن يقوم به الناقد السينمائى، وفرق بين النقد ومراجعة الأفلام، قبل أن يخلص إلى «أن عمل الناقد الأساسى، مثل الفيلسوف، هو البحث عن قيم الحق والخير والجمال فى الأفلام، وهو مثل الفيلسوف اليونانى ديوجين الذى كان يبحث عن الإنسان حاملا مصباحه فى عز النهار والناس تسخر منه»، مع التأكيد فى ثنايا سطوره على «أن الفن العظيم يغير إحساسنا بالعالم، لكن النقد الجيد هو الذى يغير طريقتنا فى التفكير».
المقولة الأخيرة جاء تطبيقها عمليا فى الملف الذى خصصته مجلة الفيلم عن الناقد المتفرد سمير فريد، رحمه الله، فكتب زميلنا الناقد السينمائى خالد محمود، «أيامى مع سمير فريد»، وكيف أثرت كتابات فريد، والعمل معه، ومشاركته حضور العديد من مهرجانات السينما العالمية، مثل كان وبرلين، فى طريقة تفكير محمود، ورؤيته للحياة، فى لمسة وفاء لأستاذه الناقد الراحل.
الملف حمل العديد من الآراء والاجتهادات من أقلام واعدة، وأخرى متمرسة، عن تأثير سمير فريد فى حركة النقد السينمائى فى مصر والوطن العربى، ودوره فى صقل العديد من المواهب، ممن تتلمذوا على يديه مباشرة، أو تأثروا بكتابات صاحب «العقل الهادئ والقلب الشغوف»، كما كتبت أمل ممدوح، كما أن ولع فريد بـ«الأرشفة»، وراء تركه لمكتبة ضخمة من المعلومات والوثائق والصور التى تعد مادة صالحة للتأريخ للسينما المصرية، وفق عزة إبراهيم.
«الفيلم» وجبة من الثقافة السينمائية الدسمة، تقدمها مجلة «جادة» تسد فراغا حقيقيا، بعد أن تحولت صفحات الفنون فى غالبية الصحف، للأسف، إلى مساحات للنميمة وتتبع الأخبار الشخصية للفنانين على حساب تقويم الأفلام والأعمال الدرامية.. وفى الأخير نتمنى للزملاء فى «الفيلم» طول النفس، وتخطى العقبات التى تواجه الصحافة الورقية هذه الأيام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved