ألمانيا حليف سيئ

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الإثنين 14 يونيو 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة The National Interest مقالا للكاتب مايكل روبن يقول فيه إن هناك العديد من المواقف الألمانية مثل تشجيعها لمشروع نورد إستريم 2 مع روسيا أو تفضيلها تحقيق مصالحها التجارية على الوصول إلى إجماع حول المشروع النووى الإيرانى تجعلها غير جديرة بالثقة، وبالتالى فإن محاولات جو بايدن وأنتونى بلينكن إسناد قضايا الأمن الأوروبى لألمانيا هو قرار خاطئ... نعرض منه ما يلى.
عندما أعلنت شركة الطاقة الروسية جازبروم وشركاؤها الأوروبيون عن خططهم لتوسيع خطوط أنابيب نقل الغاز الروسى إلى أوروبا، اعترضت ثمانى دول فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة تحت إدارة أوباما. لن يزيد مشروع «نورد استريم 2» من اعتماد أوروبا على روسيا فقط، ولكنه سيلغى خطوط الغاز التى تمر عبر أوكرانيا، وبالتالى لن تدفع روسيا رسوما لأوكرانيا وستزداد الأزمة الاقتصادية فى كييف... بالرغم من هذا عاندت الحكومة الألمانية.
اتخذت إدارة ترامب موقفا متشددا إزاء موقف ألمانيا المرحب بخط الغاز. قال وزير الخارجية الأمريكى فى إدارة ترامب مايك بومبيو أن ما تريده الولايات المتحدة هو أن تحظى أوروبا بمصدر طاقة حقيقى وآمن ومستدام لا تتحكم فيه أهواء روسيا، ولذلك فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المشروع حتى تقلص من المنافع المالية التى ستحظى بها روسيا وحتى تتراجع ألمانيا عن موقفها الذى يقايض الأمن الأوروبى بغاز ذات سعر أقل... ألمانيا بالطبع احتجت بشدة.
الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن عكسا المسار، وفضلا إعطاء الأولوية لتحسين العلاقات مع برلين. أعلن بلينكن فى 19 مايو الماضى أن الولايات المتحدة ستلغى العقوبات على شركة نورد ستريم 2، ومديرها التنفيذى ماتياس وارنيج، والمسئولين فى الشركة على الرغم من أن بلينكن أصر على أن موقف الولايات المتحدة المعارض لخط الغاز المدعوم من روسيا لا جدال فيه. وأوضح بلينكن أن هذه الخطوة جاءت تحت مساعى بايدن إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين.
هذا المنطق واهن. فبعيدا عن قيام بايدن وبلينكن بالترويج لخطوط تصب فى صالح روسيا وطالبان وتقتل تلك التى تستفيد منها الولايات المتحدة، إلا أن التغير المناخى لو كان حقا «أكبر تهديد للولايات المتحدة»، كما قال بايدن للقوات الأمريكية خلال زيارته إلى أوروبا، فإن معارضته لمشروع نورد ستريم 2 من المفترض أن تزيد. ولا ينبغى أن تكون شكاوى ألمانيا بشأن سهولة نقل الغاز مهمة؛ فكان من الأسهل خلال الحرب الباردة ترك الكتلة السوفيتية تمد غرب برلين بالغاز، ولكن الولايات المتحدة قامت بإمداد المدينة بما تحتاجه جوا خلال الحصار السوفيتى 1948ــ 1949.
•••
قد يربط بايدن وبلينكن قرار رضوخ برلين لروسيا بالتعقيدات الدبلوماسية وقد يفترضان أن ألمانيا تملك نفس قيم الولايات المتحدة، ولكن هذا ليس صحيحا. فألمانيا ببساطة لا تعد حليفا جيدا ولا تملك قياداتها نفس النظرية الليبرالية والديمقراطية للعالم مثل الولايات المتحدة.
انضم المستشار الألمانى السابق جيرهارد شرودر إلى شركة جازبروم بعد ترك منصبه. بالنسبة لشرودر، الأرباح النقدية قصيرة الأجل تغلبت على مبادئه. قد يكون مسار حياته هذا هو القاعدة وليس الاستثناء بالنسبة للسياسيين الألمان، فروسيا وما تقدمه من أموال تشجع المزيد من النخبة الألمانية على تبنى مسار شرودر. بالإضافة إلى أن نشاط التجسس الروسى الآن أنشط عما كان عليه خلال الحرب الباردة، ويسعى الكرملين إلى اختراق الطبقة السياسية الألمانية.
الرئيس التنفيذى لشركة نورد ستريم 2 ماتياس وارنيج الذى رفع بلينكن العقوبات من عليه، كان ضابطًا سابقًا فى ألمانيا الشرقية عندما كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ضابطًا فى المخابرات السوفياتية فى ألمانيا، ولا يزال وارينج يعد أقدم صديق ألمانى لبوتين. بايدن وبلينكن يزيفان تأثرهما بما يحدث للمعارض الروسى السجين أليكسى نافالنى، ولكنهما يتجاهلان أن أحد أسباب غضب بوتين من نافالنى هو إزاحة الأخير الستار عن العلاقة بين بوتين والرئيس التنفيذى لشركة نورد ستريم 2. ولا يعتبر مشروع نورد ستريم 2 هو الصفقة الاقتصادية الوحيدة، فموسكو وبرلين تتعاونان الآن فى مشروع هيدروجين.
•••
رأى البعض فى الولايات المتحدة أن اتباع نهجا لينا تجاه نورد ستريم 2 سيجعل من ألمانيا حليفا أفضل فى الجهود المبذولة لمواجهة روسيا. بعيدا عن حقيقة أن ألمانيا لا تزال عاجزة عن الوفاء بالتزام الناتو بإنفاق 2٪ من ناتجها المحلى الإجمالى على الدفاع من أجل تعزيز الحلف، فإن ألمانيا تسمح للصين باستخدام ميناء موكران ــ قاعدة عمليات بناء مشروع نورد ستريم 2ــ كعنصر أساسى فى مبادرة الحزام والطريق. المخاوف الأولية من زيادة القوة الروسية أثبتت صحتها، فلم يمر شهر على رفع العقوبات حتى هدد بوتين أوكرانيا بمنع وصول الغاز الروسى إليها.
لم تثبت ألمانيا فشلها كحليف فقط فى قضية روسيا.. فمنذ عهد وزير الخارجية الألمانى كلاوى كينكل فضلت ألمانيا الحفاظ على مصالحها التجارية على وجود إجماع تجاه البرنامج النووى الإيرانى أو انتهاكات إيران لحقوق الإنسان. لقد غض كل من شرودر وأنجيلا ميركل الطرف أو حتى سعيا إلى دفن معلومات استخباراتية تظهر غش إيران فى التزاماتها النووية من أجل تعزيز العلاقات التجارية لألمانيا. ضرب زعيم حزب الخضر الألمانى كفه بكف سفير الجمهورية الإسلامية فى الوقت الذى تقوم فيه إيران باعتقال نشطاء حماية البيئة، وهنأ الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير المرشد الأعلى على خامنئى فى الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية فى الوقت الذى قلل فيه خامنئى من شأن الهولوكوست.
يبدو أن بايدن يريد إسناد قضايا الأمن الأوروبى إلى برلين حتى يتمكن من التركيز على الصين والقضايا الأمنية الأخرى مثل التهديد السيبرانى. بعيدا عن حقيقة أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على التعامل مع مشكلتين فى آن واحد، خاصة وأن التهديد الروسى والصينى متشابهان؛ تحدى النظام الليبرالى الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. فالواقع يقول إن اختيار بايدن وبلينكن لألمانيا للدفاع عن الحرية أمام التهديدات التى تواجهها هو اختيار خاطئ.
لطالما كانت ألمانيا شريكا للولايات المتحدة واستضافت عشرات الآلاف من القوات الأمريكية. ولكن هذا لا يعنى أن هناك إجماعا بينهما على الأهداف. فلو كان الأمر هكذا كانت لتحولت تركيا إلى حصن للدفاع عن الديمقراطية بفضل القوات الأمريكية هناك. قد ترغب ألمانيا فى تصحيح العلاقات، ولكنها لا تستحق تذكرة مجانية لذلك. إن بايدن وبلينكن على حق فى أن الولايات المتحدة يجب أن تتصدى للتهديد المتزايد للصين، ولكن الثقة فى برلين أو إسناد القيادة إليها هو بمثابة جعل الثعلب مسئولا عن الدجاجة. حان الوقت للاعتراف بأن ألمانيا ليست حليفًا موثوقا أو يمكن الاعتماد عليه.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved