ما الذى يعنيه الاستقلال الگردى؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 14 يوليه 2014 - 5:30 ص
بتوقيت القاهرة
قام الموقع الإلكترونى لمعهد هدسون الأمريكى بنشر مقال تحليلى للكاتب لى سميث يتحدث فيه عن مطالبة الأكراد باستقلال إقليم كردستان العراق. جاء فى المقال أن مسعود البرزانى، رئيس الحكومة الإقليمية الكردية، أعلن منذ أيام أنه يعتزم الدعوة لإجراء استفتاء على الاستقلال خلال الشهور القليلة المقبلة. وإذا ما اختار الأكراد الانفصال عن الحكومة المركزية فى بغداد فسيكون لديهم على أقل تقدير جهة فاعلة واحدة تتوق إلى الاعتراف بهم. إنها إسرائيل. حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن الأكراد: «إنهم أمة مقاتلة». وأضاف إنهم «جديرون بوضع الدولة.» كما قال: «لا بد لنا من دعم التطلع الكردى إلى الاستقلال. فهم يستحقونه»،
ومع ذلك، وكما كان رواد الصهيونية يعلمون جيدا، فكون شعب من الشعوب يستحق وضع الدولة أو لا يستحقه مسألة مختلفة إلى حد كبير عما إذا كان قادرا على تحقيقه أم لا. فالأكراد أمة محاربة بالفعل، ومن المرجح أنهم قادرون على الدفاع عن حدود الدولة المتوقعة. غير أن المشكلة هى الوصول إلى نقطة ترسيم الحدود التى لا تتعلق كثيرا بحق تقرير المصير، أو حتى الثروة المادية التى من المحتمل أن تتواجد بوفرة لدى الحكومة الإقليمية الكردية الغنية بالنفط. بل تتعلق بالجيوبوليتيكا وميل الدول الأكبر والأقوى. وفى هذه النقطة يبدو أنه بالإضافة إلى إسرائيل، ليس لأى من اللاعبين الإقليميين والدوليين المعنيين، وأهمهم تركيا وإيران والولايات المتحدة، أية مصلحة فى الترويج لوضع الدولة الكردى.
•••
كما ذكر الكاتب أن الاضطرابات العديدة التى تعكر صفو الهلال الخصيب تنبئ بنهاية نظام إقليمى دام قرنا من الزمان. فمن المحتمل أن العراق وسوريا كما عرفناهما منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية لم يعد لهما وجود، لكن من الممكن كذلك أن يتنبأ كثيرون من خبراء الشرق الأوسط بطبوغرافيا إقليمية جديدة تعانى فحسب من حيوية غير عقلانية.
الواقع أن الحديث عن الدولة الكردية ربما يكون مؤشرا لمدى ما بات عليه الشرق الأوسط مؤخرا من ارتباك حتى بالنسبة لخبراء الشرق الأوسط. فعندما تقول إسرائيل إنها تتوق إلى الاعتراف بالاستقلال الكردى، فمن المفترض أنها تشير فقط إلى الخمسة ملايين كردى الذين يخصون الحكومة الإقليمية الكردية. أما إمكانية الدولة الكردية الأكبر، أى كردستان التى تضم عشرات الملايين من الأكراد فى أنحاء المنطقة التى قاتلت من أجلها كيانات كردية أخرى، كحزب العمال الكردستانى، فغير مرجحة إلى حد كبير، على الأقل فى الوقت الراهن. وذلك لأن أقوى دولتين بهما عدد كبير من السكان الأكراد؛ وهما إيران وتركيا، لن تتخليا عن أجزاء كبيرة من أراضيهما من أجل تقرير المصير الكردى. بل إن طهران وأنقرة تعارضان انفصال الحكومة الإقليمية الكردية الذى يمكن أن يلهب المشاعر الانفصالية لدى أعداد كبيرة جدا من سكانهما الأكراد. كذلك لا يرغب البيت الأبيض فى حدوث ذلك. فسلامة أراضى العراق مبدأ أساسى من السياسة الأمريكية، وهذا هو السبب فى تكرار اختلاف حكومة أوباما مرارا مع البرزانى بشأن صفقات نفط الحكومة الإقليمية العراقية مع تركيا. ومع ذلك فإنه منذ انسحاب القوات الأمريكية فى عام 2011 توجد لدى البيت الأبيض أوراق قليلة جدا يلعب بها فى العراق، أو مع الأكراد.
•••
أوضح سميث أن الحكومة الإقليمية الكردية تقول إنها لن تعلن الدولة دون إبلاغ تركيا أولا، لكن أنقرة تعارض الفكرة قائلة إنها كذلك تريد عراقا موحدا. وإذا لم يشجع برزانى على الاستقلال فهو يقامر بأن يقر الأتراك أولا بأن صفقات نفط الحكومة الإقليمية الكردية أكثر قيمة من خطورة دولة الحكومة الإقليمية الكردية، وثانيا بأن الأكراد مازالوا منطقة عازلة لها قيمتها فى مواجهة إيران. بعبارة أخرى، يتعين على البرزانى أن يزن أحلام وضع الدولة فى مقابل واقع الشرق الأوسط الاستراتيجى. ومع ذلك فليس من الصعب رؤية سبب تحمس الإسرائيليين بشأن إمكانية الدولة الكردية المستقلة. فإسرائيل تتطلع منذ فترة طويلة إلى تخوم الشرق الأوسط للحصول على شركاء إقليميين، إيران ما قبل الثورة، وتركيا ما قبل أردوغان، وإثيوبيا، وأذربيجان، والطائفة المارونية فى لبنان. وربما يكون البحث عن حلفاء جدد سعيا مفيدا إلى حد كبير فى الوقت الذى يبدو فيه أن الشرق الأوسط يمر بفترة تحول. ويمكن للاضطرابات المختلفة أن تقدم آفاقا جديدة. كما أن الحكومة الإقليمية الكردية، التى طالما نظرت إلى إسرائيل على أنها حليف، فرصة جذابة.
وأشار الكاتب فى هذا السياق إلى أن دولة الحكومة الإقليمية الكردية سوف تكون شديدة الضعف لأنه سيتعين عليها أن تأخذ فى اعتبارها القوى الأكبر والأهم مثل تركيا وإيران. فربما تكون لذلك آثار خطيرة بالنسبة لإسرائيل، فى ظل علاقاتها الحالية مع طهران التى تتسم بالخصومة وأنقرة المعادية فى الغالب. باختصار، ليس من الواضح إذن كيف يعزز التحالف مع الحكومة الإقليمية الكردية المستقلة إسرائيل من الناحية الاستراتيجية. ويشير تونى بدران ــ باحث فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ــ إلى أن هناك أصداء لتحالف آخر أقامته إسرائيل قبل 30 عاما مع الطائفة المارونية المسيحية فى لبنان. وقال بدران: «بعد غزو 1982 للبنان، شعر الإسرائيليون بأن المارونيين خانوهم. لكن هذه الطائفة كان يتعين عليها أن تشعر بالقلق من الجهات الفاعلة الإقليمية القوية كسوريا والمملكة العربية السعودية». ودفعت إسرائيل ثمنا لهذه الحماقة حربا دامت 18 عاما انتهت باستيلاء إيران الافتراضى على لبنان من خلال ذراعها الطويل شرقى المتوسط وهو حزب الله.
•••
وفى نهاية المقال رأى الكاتب أن دعم إسرائيل لاستقلال كردستان العراقية المستقلة إلى حد ما عاطفى إلى جانب كونه استراتيجيا. فبالنظر إلى تاريخ إسرائيل ووضعها فى الشرق الأوسط، لا يسعها إلا الوقوف إلى جانب الأقلية الإقليمية ذات الثقافة المعتدلة التى تقاومها قوى إقليمية ومازالت تقاتل من أجل طموحاتها الوطنية. وما من شك فى أن هذا أحد أسباب تأييد إسرائيل للدولة الكردية. والسبب الآخر لتأييد إسرائيل للحكومة الإقليمية الكردية المستقلة بينما تعارضه القوة العظمى التى ترعاها، وهى أمريكا، هو اهتمام إسرائيل بمستقبل الشرق الأوسط ذلك المستقبل الذى تفعل فيه ما يحلو لها لأن الولايات المتحدة لن يعود لها وجود هناك.