الريشة المظلومة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 14 يوليه 2015 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

خيرا فعلت الحكومة عندما فضلت الحوار لحل أزمة الصحفيين مع مشروع قانون مكافحة الإرهاب، واختارت إعادة النظر فى المادة 33 التى تتعارض مع الدستور الذى يحظر الحبس فى قضايا النشر، وخيرا أيضا التحرك العاجل والسريع من نقابة الصحفيين التى وضعت المسئولين والرأى العام أمام ما يمكن أن ينتج من تداعيات عند تمرير القانون مشتملا على مواد يعتريها العوار.

مع بوادر هذه الأزمة، وكما جرى فى أزمات سابقة تتعلق بحرية الرأى والتعبير، هناك من يحاول الاصطياد فى الماء العكر لتأليب الرأى العام على الصحافة، واتهام الصحفيين بأن على رأسهم ريشة، ويسعون لأخذ حقوق تفوق ما عليهم من واجبات والتزامات تجاه المجتمع، بل واتهامهم زورا بالوقوف ضد مصالح الأمن القومى فى الحرب ضد الإرهاب!

قد يكون مفهوما أن تفتح النار بعض القوى المتربصة بالصحافة، وتلك التى تضيق ذرعا بالحريات لطول مقامها مع الاستبداد، لكن ما ليس مفهوما أن بعض الأصوات التى بادرت إلى توجيه اللوم والانتقاد تنتمى ـ للأسف ـ إلى الجماعة الصحفية، وتقمص هؤلاء دور السياسى، مبررين موقفهم بالدفاع عن الوطن، وكأن باقى زملائهم، الواقفين فى خندق الدفاع عن حرية التعبير، عملاء مندسون يجب قطع دابرهم، رغم أن القاصى والدانى يعلم إلى أى مدى تصدى الصحفيون، وسيظلون، لكل من أراد العبث بمقدرات هذا الوطن.

حقيقة لا أفهم كيف لصحفى، لا تعيش مهنته ولا يشتد عودها فى خدمة قضايا مجتمعها من دون الحرية، يزايد على دعاة تكميم الأفواه، ويطالب بفرض القيود التى تحول الصحف إلى نشرات رسمية تصدر عن أقسام العلاقات العامة بالمؤسسات المختلفة، وحرمان الصحفى فرصة نقل الوقائع والأحداث إلا من خلال عين واحدة، وسط خلط متعمد بين أخطاء يمكن علاجها بتفعيل ما لدينا من ضوابط مهنية وقانونية، وجرائم الإرهاب التى نتفق جميعا على ضرورة وضع كل التشريعات التى تحمى المجتمع منها.

ندرك جميعا أن الإرهاب المتنقل يستهدف زعزعة واستقرار البلاد، وهو ما يمكن أن تحدثه الكلمات الرعناء غير المسئولة، والتغطيات الصحفية التى لا يحتكم أصحابها إلى أدنى المعايير المهنية بعد أن انتشرت صحف بئر السلم، ومواقع الكترونية لا ضابط ولا رابط لعملها، وهو ما يلقى على نقابة الصحفيين العبء الجسيم فى تصويب المسيرة المعوجة، والذود عن مهنة لها من التقاليد والقواعد التى لا يجب التفريط فيها، رغم أن الأمراض التى أصابتها فى الآونة الأخيرة لم تعد قاصرة على الصحافة وحدها.

هناك من طالب بتطهير الصحفيين لأنفسهم، قبل أن يطالبوا المؤسسات الأخرى بالخطوة ذاتها، والحقيقة أن قوى المجتمع جميعا مطالبة بإعادة النظر فى الحالة التى وصلنا إليها، والاعتراف بتسلل مناطق الضعف إلى حياتنا، وهو ما يحتاج لتعامل جاد يضع فى الحسبان الهجمة الشرسة التى نتعرض لها من شراذم التكفير والإرهاب ودعاة الظلام والتخلف.

وفى الأخير يجب أن يستقر فى يقين الرأى العام أن الصحفيين فى خندق واحد مع قوى المجتمع ومؤسساته المنوط بها الدفاع عن الدولة المصرية فى مواجهة ما يحاك لها من فخاخ خارجية وداخلية، وأن ريشة الصحفى لا تخصه ولكنها التاج الذى يضعه على رأس مجتمعه، فالحرية لا يحملها الصحفى إلى بيته، بل هى السلاح الذى يذود به عن وطنه وأمته من مخاطر محدقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved