ومتى سيصدر تقرير تشيلكوت العرب؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 14 يوليه 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

فى بريطانيا، حيث تعمل الديمقراطية من خلال مؤسسات مدنية فاعلة، صدر تقرير تشيلكوت بشأن الدور الذى لعبته مؤسسة الحكم البريطانية فى حرب الاجتياح والاحتلال والتدمير للقطر العراقى فى عام 2003.

لسنا معنيين بتفاصيل التقرير وأحكامه، خصوصا فيما يتعلق بتهم الكذب والانتهازية التى طبعت تصرفات رئيس الوزراء البريطانى آنذاك، تونى بلير، ولا بالعلاقات الحميمة المشبوهة فى السياسة فيما بين هذا المسئول البريطانى ورديفه فى الكذب والحماقة واحتقار القوانين والأعراف الدولية الرئيس الأمريكى السابق، جورج بوش. فمجتمعات البلدين ستحاكمهما، وستحاسبهما وتعاقبهما، وستعلقهما على أعمدة عار التاريخ كمثالين لغياب الضمير السياسى والخلقى وبالتالى غياب الحس الإنسانى تجاه الآخرين.

لكننا يجب أن نكون معنيين بطرح السؤال التالى:

وماذا عن المؤسسات العربية السياسية والعسكرية وعن المسئولين العرب الذين ساهموا فى تسهيل ارتكاب جريمة القرن اللئيمة الشيطانية التى قادت إلى تشويه واضعاف وإفساد ونهب بلد عربى أساسى شامخ فى تاريخ الأمة ومحورى فى كل حقول الحياة العربية المعاصرة؟

***

من حق الشعوب العربية أن تسأل: ما الذى دعا تلك الجهات العربية لتقديم كل أنواع التسهيلات اللوجستية لتدخل جيوش وقوى وأعوان الاستعمار الغربى، الإنجليزى والأمريكى على الأخص، عاصمة الرشيد، أحد تيجان الثقافة والعلم والزخم العروبى فى وجه الصلف الصهيونى الاستيطانى؟
هل حقا أن خبراء تلك الجهات لم يدركوا إمكانية حدوث ما حدث: من حكم أمريكى للعراق بهوى صهيونى، من تدخُل إيرانى طائفى لتمزيق العراق وجعله جسدا بلا إرادة ولا روح، من صعود للميليشيات والخونة والفاسدين الهادفين لإفقار العراق، ومن تقسيم اثنى ومذهبى لكيان دولة العراق، وبالتالى من بناء نظام سياسى فاسد وغير ديمقراطى ومبنى على أسس محاصصات طائفية ليحل محل نظام ديكتاتورى مجنون؟

هل حقا أن مسئولى تلك الجهات أعمتهم الثأرات المؤقتة والصراعات الشخصية والمماحكات الإعلامية البليدة مع نظام الحكم العراقى، أعمتهم عن إعطاء وزن وأهمية للمصالح العربية القومية العليا، مُما لم يؤد إلى تدمير العراق فقط، وإنما أيضا إلى فتح أبواب جهنم لتمتدُ نيران العراق المستباح إلى كل ما حوله عبر طول وعرض وطن العرب؟

وإذن، فإذا كانت نتائج ومضاعفات تلك الجريمة النكراء مطروحة للنقاش فى أرض مدبريها من مثل أجهزة استخبارات تلك البلدان وقياداتها السياسية والعسكرية، فلماذا لا يطرح الموضوع فى أرض العرب أيضا بنفس القوة وبأقصى الشفافية حتى يجلل العار من ارتكب الفحشاء والمنكر، ويعوُض شعب العراق، فى أرضه المدمُرة وفى منافيه، عن ما ألحق به الجنون السياسى من تيه وبؤس وأحزان؟

هل ما ندعو إليه ممكن؟ والجواب أن ذلك ممكن. إذ لا يمكن تصوُر غياب أغنياء عراقيين، وطنيين وشرفاء، وأغنياء عرب آخرين ملتزمين بقضايا أمتُهم العربية الكبرى، من أجل تمويل تكوين فريق من الباحثين والدارسين العراقيين والعرب الآخرين للقيام بدراسات موضوعية رصينة حول الدور الذى لعبه بعض العرب فى انجاح الهجمة الاستعمارية الإجرامية، عسكريا وأمنيا وسياسيا، على شعب وأرض العراق.

***

ليس هدف تلك الدراسة توجيه الاتهامات وإصدار الأحكام، فهذه مهمة مؤسسات القضاء والمجتمع المدنى. الهدف هو إنارة فترة مظلمة من تاريخ الأمة الحديث لتعلم الدروس وأخذ العبر، خصوصا أن نفس الخفة فى التعامل مع المصالح العربية القومية قد مورست ولاتزال تمارس فى العديد من الأقطار العربية الأخرى.

ولعل ما يجرى فى هذه اللحظة فى أقطار سوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال وفى الوطن الفلسطينى يعبر عن فاجعة الغياب التام والهزيمة الكبرى للمصالح العربية القومية المشتركة أمام المصالح القطرية الضيقة وأمام المهاترات العبثية فيما بين أنظمة الحكم العربية.

هناك شعوب تتعلم الدروس من خلال كشف أخطاء ممارساتها بشجاعة ودون مراوغة، كما أن هناك شعوبا لا تريد أن تكون شريفة مع النفس فتتراكم اخطاؤها وحماقات قادتها عبر القرون وتنتقل من جيل إلى جيل. تاريخ أمتنا يظهر أننا رضينا بأن نكون من الصنف الثانى فتراكمت الفواجع المأساوية فى حياة العرب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved