فلنسمح برقابة دولية على الانتخابات المصرية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 14 أغسطس 2011 - 9:16 ص بتوقيت القاهرة

 تتمسك السلطة التنفيذية الحاكمة ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة مجلس الوزراء حتى الآن برفض فكرة مشاركة جهات خارجية دولية فى الرقابة على الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى مصر.

وتعد الانتخابات القادمة الأهم والأكثر خطورة فى التاريخ المصرى لثلاثة أسباب أساسية:
الأول: ستقضى الانتخابات على قضية غياب مصدر شرعية الحكم فى مصر، وستكون هذه الانتخابات هى حجر الأساس الأهم للتأسيس لشرعية سياسية حقيقية جديدة بعد نجاح ثورة 25 يناير فى إسقاط النظام السابق.

الثانى: سينتج عن مجلس الشعب المنتخب تشكيل لجنة كتابة الدستور المصرى الجديد الذى سيكون الضامن الشرعى الوحيد لحماية ديمقراطية مصر الناشئة فى الحاضر والمستقبل.

الثالث: أنها الانتخابات الأولى فى التاريخ المصرى الحديث التى لا تعرف نتائجها مسبقا، وستضفى شرعية على عملية التحول الديمقراطى بصفة عامة.

ورغم اختلاف مواقف القوى السياسية المصرية حول العديد من القضايا المصيرية، ورغم وجود تناقضات هيكلية بين جماعات الإسلام السياسى من ناحية ممثلة فى جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، وبين الأحزاب الليبرالية المتعددة، الجديد منها والقديم من ناحية أخرى، وبين قوى اليسار المصرى كذلك، إلا أن كل هذه القوى، وغيرها، تتوافق جميعها على ضرورة إجراء انتخابات حرة وعادلة.

وحقق النظام الحاكم السابق نجاحا باهرا فى تأصيل ممارسات تزوير الانتخابات لدرجة وصلت إلى دفع المحكمة الدستورية العليا إلى إبطال إحدى دورات مجلس الشعب فى وقت سابق. ودأب الشعب المصرى والعالم من حوله على السخرية من الانتخابات المصرية، ومن ادعاءات عدالتها ونزاهتها.
ولم يتوان النظام السابق كذلك عن استخدام القضاء المصرى فى الإشراف على هذه الانتخابات المزورة، مما أدى لتورط الكثير من قضاة مصر فى المشاركة فى التزوير، وكانت انتخابات 2010 هى آخر فصول مشاركة القضاء فى تزوير الانتخابات طبقا لما ذكره الأسبوع الماضى السيد نبيل لوقا بباوى، أستاذ القانون بكلية الشرطة وأحد قيادات الحزب الوطنى المنحل.

ونتج عن تزوير الانتخابات المتكرر وصول نسبة الناخبين إلى ما لا يزيد على 8% فقط فى أفضل حالاتها.

ولطالما رفع النظام السابق شعارا مفاده أن الرقابة الدولية تمثل انتهاكا لسيادة الدولة المصرية، رغم أنه لم يتأخر يوما عن إرسال الكثير من الدبلوماسيين المصريين وغيرهم للمشاركة فى عمليات المراقبة على الانتخابات فى العديد من دول العالم. وشارك كذلك العشرات من ممثلى المنظمات غير الحكومية المصرية فى عمليات مراقبة بالخارج، ولم يحدث أن اتهم أحد منهم بانتهاك سيادة الدول الداعية لهم.

فى عالم اليوم لا تمثل الرقابة الدولية أى انتهاك لسيادة الدول حيث إنها تتطلب رغبة واضحة، ولا يمكن فرضها على الدولة رغم إرادتها. كذلك لا تتمتع النتائج التى تتوصل إليها لجان المراقبة بأى صفة إلزامية. وتبقى قيمتها الحقيقية فى كونها سلطة معنوية فى التأكيد على حرية ونزاهة الانتخابات.

الرقابة الدولية ليست بدعة، وتحرص دول صغرى مثل الأردن وتايلاند، ودول كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا، وهى دول تحرص على سيادتها الوطنية، على وجود مراقبين أجانب لمراقبة انتخاباتها البرلمانية والرئاسية.

ولا الرقابة الدولية بديلا عن مثيلتها المصرية، بل هى تعمل بجوارها وليس بدلا عنها. ولا ينكر أحد أن الرقابة المحلية أكثر أهمية وذات فاعلية أقوى من مثيلتها الأجنبية لما تملكه من قدرات بشرية ومعرفة بالواقع المصرى وثقافته، إضافة لعدم وجود حاجز لغوى.

ورغم ذلك سيؤدى وجود المراقبين الدوليين إلى تعزيز ثقة الشعب فى برلمانه ورئيسه الشرعيين الجديدين. وستلعب الرقابة الدولية دور «الرادع» لمنع أى تزوير محتمل، وستسهم الرقابة الدولية، حال الموافقة عليها، فى تقديم شهادة للعالم أجمع على نزاهة هذه الانتخابات.

ولا يمنع كل هذا من ذكر أن السماح بالرقابة الدولية سيصاحبه عدة مشاكل أهمها يرتبط باحتدام الجدل حول قيام الولايات المتحدة بتمويل منظمات أهلية مصرية بطرق تخالف القوانين المصرية فى فترة ما بعد ثورة يناير، وهو ما أثار مخاوف المسئولين فى مصر مما وصفه البعض بالتدخل السياسى الأمريكى فى الشأن الداخلى المصرى، ورغبة واشنطن فى دعم بعض القوى الليبرالية. وأدى هذا إلى دفع الكثيرين إلى إطلاق تحذيرات من استغلال الرقابة الدولية لخدمة مصالح سياسية خارجية، وهو ما قد يكون أسهم ودفع الحكومة المصرية لإعلان موقفها الرافض للرقابة الدولية.

ويمكن التغلب على هذه المخاوف بالامتناع عن دعوة مراقبين من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وأن يستعان بمراقبين من دول أوروبية محايدة مثل النمسا وسويسرا، والدول الاسكندينافية، كما يمكن أيضا أن تتم الاستعانة بمراقبين من دول إسلامية صديقة ليس لها نفوذ سياسى فى مصر ولا يفرق معها هوية الفائز والخاسر فى انتخاباتنا مثل إندونيسيا وماليزيا، أو حتى دول بعيدة عنا مثل الأرجنتين والبرازيل وكندا. كما يمكن أن نطلب من منظمات مثل الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى المشاركة فى مراقبة الانتخابات.

وانتخابات هذا العام ينتظر لها أن تشهد نسبة مشاركة عالية نظرا لتوقع احتدام المنافسة وغياب التزوير وعدم وجود تدخل حكومى لمحاباة مرشح ضد آخر، مما لا يضمن معه أى مرشح أو مرشحة فوزا سهلا فى هذه الدائرة أو تلك. إلا أن تلك الانتخابات سيصاحبها أيضا العديد من المخالفات، والكثير من أعمال العنف والشغب والبلطجة، ومحاولات شراء الأصوات، حيث لا يمكن محو تراث عشرات السنين من الانتهاكات فى عدة أشهر قليلة. لذا يمكن للرقابة الدولية أن تحييد الانتقادات التى قد تثار من قبل بعض القوى حول نزاهة الانتخابات.

لا يترقب الشعب المصرى وحده انتخاباتنا القادمة، العالم كله من حولنا ينظر وينتظر هذه الانتخابات ليرى كيف تسير عملية البناء الديمقراطى فى أكبر ديمقراطية فى الشرق الأوسط.

لقد أكد اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس الأعلى مؤخرا أن الانتخابات المصرية القادمة «سوف يتم تدريسها فى دول العالم»... وبعد نجاح الثورة ذكر رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون «يجب أن نُدَرِس الثورة المصرية فى مدارسنا»... السماح بوجود مراقبين دوليين من شأنه أن يضيف الكثير للدرس المصرى ويقدم شهادة مهمة على نزاهة تجربة لم يعرفها الشعب المصرى من قبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved