رئيس ومواطن ومروحة

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الثلاثاء 14 أغسطس 2012 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

الحقيقة أن موقعه «قطونيل» التى كانت مادة دسمة للحوار على مواقع التواصل الاجتماعى طوال الأيام الماضية. والتى كان بطلها رئيس الوزراء دكتور هشام قنديل. والذى لم يكن يتصور مطلقا أن تصريحا مثل الذى ألقى به فى نهار صيام شديد الحرارة، حول ضرورة ترشيد المواطنين لاستخدام التكييفات، وتفضيله لأن تتجمع الأسر فى غرفة واحدة من المنزل، وأن يرتدوا الملابس القطنية كمساهمة فى حل مشكلة قطع التيار الكهربائى. لم يكن يتصور مطلقا أن يجر عليه مثل هذا التصريح، كل هذا القدر من السخرية، والعنف اللفظى الذى لم يعتده بالطبع، وهو الذى ظل منزويا فى الوزارة السابقة، دون أن يعرف اسمه الكثيرون. الحقيقة أن موقعة قطونيل التى حاول ظرفاء مواقع التواصل الاجتماعى من خلالها أن يجعلوا رئيس الحكومة مادة إعلانية لأحد المنتجات القطنية فيها الكثير من الظلم لشخصه.

 

حقيقة الأمر أن رئيس الوزراء عندما لا يعرف أن الأسر التى تمتلك جهاز تكييف فى مصر لا تزيد نسبتها على 5.5% من إجمالى أسر مصر كلها، وأن نسبة هذه الأسر فى الريف التى تتباهى بأن التكييف دخل من بابها لا تتعدى الـ 1.1% من الأسر التى تعيش فى المناطق الريفية. عندما لا يعرف، فهذا ليس ذنبه لأن واحدا من مساعديه الذين يجهزون لمؤتمره الصحفى لم يشغله كثيرا تعريفه بأحوال المصريين الذى يرأس حكومة مهمتها إصلاح أحوالهم. لأنه لو فعل لعرف رئيس الوزراء أنه مازال هناك شريحة من المصريين الذين يعيشون فيما يعرف بمسكن جوازى (والتسمية من عند جهاز الإحصاء) لا يملك منهم مروحة كهربائية سوى 7% فقط من الأسر. أما 93% منهم فلا يعلم سوى الله كيف يقضون صيفهم هذه الأيام. ولو استطلع السيد رئيس الوزراء أحوال بقية المصريين لعرف أن الوضع أفضل نسبيا للذين يعيشون فى غرفة مستقلة أو أكثر، وليس داخل شقة، فهؤلاء المحظوظون 66% منهم أنعم الله عليهم بنعمة المروحة.

 

والحقيقة أننى على العكس من أصحاب التويتات القاسية ألتمس لرئيس الوزراء العذر فى تصريحة المثير لأعصاب ملايين المصريين الذين يتصببون عرقا، وتبلل الرطوبة أجسادهم الملتصقة عليها ملابسهم غير القطنية، بسبب تفضيلهم للأقمشة المصنعة الصينية رخيصة السعر. عذر السيد رئيس الوزراء مقبول لدى، لأنه لم يصل إليه من رئيس الجمهورية فى خطاب تكليفه بالوزارة كلمة واحدة عن فقراء هذا البلد أو حتى متوسطى الحال. وهو ما كان سيحتم عليه بالضرورة البحث عن أوضاع هؤلاء الناس لوضعهم على سلم أولويات الحكومة. وليس وضعهم ندا لمن يتربعون على أعلى درجات السلم الاجتماعى. وأراهنكم أنكم لو قرأتم خطاب التكليف، ووضعتم أنفسكم مكان السيد قنديل لما فعلتم افضل مما فعل. فخطاب التكليف فى منتهى التحديد فهو من أوله لآخره يتحدث عن المواطن فى مصر، ولم يشر ولو إشارة عابرة إلى فقراء هذا البلد، أو محدودى الدخل أو مهدودى الحيل بفعل 30 سنة ظلما اجتماعيا لا نظير له فى قسوته.

 

الأولويات فى خطاب التكليف هى «التصدى للمشكلات الضاغطة على المصريين» دون أن يعرف واضع التكليف، وهو السيد الرئيس بالطبع، أن ضغوط المشكلات على المصريين ليست بنفس القدر. فهؤلاء الذين وضعتهم سياسات مبارك فى الشريحة الأعلى، وهى خمس السكان الأغنى والذين يستهلكون 40% مما يستهلكه كل المصريين، ليسوا كغيرهم من هؤلاء الـ40% الأكثر غلبا من المصريين الذين لا يزيد استهلاكهم مجتمعين على حوالى 23%، وهؤلاء تقع المشكلات على ظهورهم لتقضمها بل وتكسر أعمدتهم الفقرية.

 

أعتقد أن كثيرا من الذين مارسوا عنفا لفظيا ضد رئيس الوزراء هم مدينون له بالاعتذار، إذا ماعرفوا أن خطاب التكليف لم يجد فى مبدأ العدالة الاجتماعية سوى أنه مجرد «أسلوب من أساليب أداء الحكومة». وهو يأتى فى المرتبة الرابعة ويسبقه فى الترتيب أسلوب «الابتكار والتطوير». أقول إنهم مدينون بالاعتذار له لأنهم لم يدركوا أن ما قاله رئيس الوزراء ما هو إلا ترجمة لتوجه نظام الحكم الذى لا يرى فى العدالة الاجتماعية سوى أسلوب مثله مثل التطوير والابتكار وأن المصريين كلهم سواسية مثل أسنان المشط ليس فى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، لكن من حيث المشكلات الضاغطة عليهم، وأولويات حلها.

 

ألم يرد للحظة فى خاطر واضع خطاب التكليف، وهو السيد الرئيس، بأن المواطنين فى مصر أصناف منهم ربع المصريين الذى يعيش فيهم البنى آدم طوال الشهر بـ256 جنيها حامدا شاكرا. لأنه يخشى أن لم يفعل فربما يقع فى الشريحة الأدنى، التى تقع فى دائرة الفقر المدقع، وهم الذين يعيشون بـ172 جنيها كل 30 يوما تمر من عمرهم.

 

ولم يكن من اللائق أن يظلم البعض السيد رئيس الوزراء الذى ليس له ذنب فى أن دائرة أصدقائه ومعارفه تنحصر فى هؤلاء الذين يملكون 7 أو 8 أجهزة تكييف فى البيت الواحد. وإن ظروف حياته لم تتح له التعرف على شرائح أخرى هى بطبيعتها بعيدة عن دوائر الحكم. ولم يقل له أحدهم إن هناك تغييرا جذريا قد حدث فى حياة الفقراء فى السنوات الأخيرة ورصده جهاز الإحصاء فى عهد «مبارك». وأن هذا التغيير هو أن الفقراء انخفض أنفاقهم على الغذاء من 45% من إجمالى أنفاقهم، وأصبح لا يزيد على 35%. وهو يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وقع أثر المشكلات الضاغطة على المصريين ليس بنفس القدر. والدليل أن الفقراء فى مصر،والذى لم يتذكرهم خطاب التكليف حتى من باب المجاملة، اضطروا فى السنوات الأخيرة بسبب قسوة الظروف المعيشية إلى الاستغناء عن جانب من غذائهم، والذى هو قليل أساسا، من أجل أن يدبروا تكلفة المسكن، والكهرباء، والمياه، والصحة التى ارتفعت أسعارها بدرجة شكلت ضغطا لا حدود له على معيشتهم. وذلك قبل أن يفاجأوا فى الشهر الماضى أن الحكومة التى جاءت بعد الثورة قد رفعت أسعار الغاز على المنازل بنسبة 35% دون رحمة.

 

يا أصحاب «التويتات» «والفيس بوكات» اعتذروا لقنديل. الذنب ليس ذنبه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved