السودان يناديكم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 14 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

حين تجتاح السيول السودان بحيث يصبح على شفا كارثة، أدت حتى الآن إلى تدمير 60 قرية تضم 11 ألف بيت مما أسفر عن تشريد أكثر من مائة ألف مواطن، فإن العالم العربى ينبغى ألا يقف متفرجا، ومصر فى المقدمة منه. أعرف أن مصر تتعرض لإعصار سياسى عالى الدرجة، لكننى أعرف أيضا أن ثمة علاقة خاصة تربطها بالسودان، الذى ينسى كثيرون أن أقرب الأشقاء، فضلا عن أن أمنه واستقراره جزء من الأمن القومى المصرى. بالتالى فإن مصر إذا لم تستطع أن تقدم عونا فلا أقل من أن تقدم مشاطرة ومواساة، وذلك أضعف الإيمان، أما ان تنضم إلى صفوف المتفرجين على ما يتعرض له السودان، مؤثرة الاستمرار فى الانكفاء والانشغال بهموم الداخل فذلك مما لا يليق بدور «الشقيقة الكبرى» التى انسحبت من مجالات كثيرة فى العالم العربى لأسباب يطول شرحها، لكنها لا تملك مواصلة الانسحاب عندما يتعلق الأمر بما يخص استحقاقات أمنها القومى.

صحيح أن تعرض السودان للسيول صار «طقسا» سنويا يستصحب موسم الأمطار التى تتواصل خلال شهرى يوليو وأغسطس من كل عام، لكن ما جرى هذا العام كانت معدلاته أكبر بكثير مما كان متوقعا، الأمر الذى أعاد إلى الأذهان ذكريات كارثتين تعرضت لهما البلاد خلال عامى 1988 و2007. يتحدث الفنيون عن تكاثف السحب بشكل غير عادى فى الهضبة الإثيوبية، مما ضاعف من غزارة الأمطار التى داهمت السودان واجتاحت ولاية الخرطوم والجزيرة وأم درمان، كما أصابت عدة ولايات أخرى بدرجات متفاوتة، الأمر الذى رشح السودان كله لكى يصبح منطقة كوارث. وهو المشهد الذى يستدعى استنفارا من جانب الأشقاء العرب، إضافة إلى مختلف المنظمات الإغاثية فى العالم.

قبل أن أتطرق إلى ما ينبغى أن نفعله، فإننى أسجل ملاحظتين هما:

● أن الإعلام العربى أبرز أخبار الفيضانات التى غمرت 21 ولاية أمريكية، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وتشريد عدة مئات من المواطنين، لكنه لم يكترث بقتل نحو 60 سودانيا وتشريد مائة ألف جراء السيول التى اجتاحت البلاد منذ شهر يوليو الماضى. وللدقة فإن بعض الصحف المصرية ــ ثلاث على الأقل ــ نشرت الخبر هذا الأسبوع بعدما سجلت الصور التى خرجت من السودان معاناة المواطنين الذين تهدمت بيوتهم ولم يعودوا يجدون ملاذا يؤويهم، فوقفوا حائرين وسط المياه الجارفة. وإذا كان ذلك حال الإعلام المصرى، فإننا لا نستطيع أن نلوم محطة سى.إن.إن لأنها قامت بتغطية الفيضانات الأمريكية ولم تذكر شيئا عن فيضانات السودان.

● أن إحدى الولايات الأمريكية كانت قد تعرضت لإعصار فى العام الماضى دمر بعض مبانيها، وعرضت محطة سى.إن.إن وقتذاك شريطا سجل الأضرار التى حلت بالولاية، وتصادف ان شاهد الشريط أحد حكام الخليج الذى تأثر مما رآه، فسارع إلى تكليف سفارة بلاده فى واشنطن بالاتصال مع حاكم الولاية للاستعلام منه عما تحتاجه لمعالجة الأضرار التى أحدثها الإعصار. وكان الغوث الخليجى سخيا لدرجة تجاوزت بكثير ما طلبه حاكم الولاية، الأمر الذى أدى ليس فقط إلى إعادة بناء ما تم تهديمه وتشييد بعض المرافق التى تخدم مواطنيها، وإنما عم الكرم الخليج كل تلاميذ الولاية الذين تلقى كل واحد منهم جهاز كمبيوتر (لاب توب) هدية من الحاكم العربى.

لا يخطر لى أن أقارن بين الولاية الأمريكية وولاية الخرطوم، لأسباب عدة أحسبها مفهومة (ليس بينها أن السى.إن.إن اهتمت بالأولى وتجاهلت الثانية)، لكننى فقط أقول بأنه من السذاجة أن نتساءل عما يمكن عمله سواء لإغاثة السودان أو للتضامن معه فى كارثته. مع ذلك فإن المسئولين السودانيين تحدثوا صراحة عن حاجة بلادهم للدعم والعون من «الأشقاء العرب». ورغم أن النخوة العربية لم تظهر حتى الآن فى أداء الحكام العرب (مرة أخرى لا أقارن بما حدث مع الولاية الأمريكية) فإن أخبار الخرطوم تحدثت عن اتصالات مع عشر منظمات إغاثية عربية. وأرجو ألا تكون تلك المنظمات بانتظار الضوء الأخضر من أولى الأمر. كما أرجو أن يظهر ذلك الضوء قبل أن تغرق الخرطوم وتعم البلوى.

طوال السنوات التى خلت ظللنا نقرأ أخبار السودان فى صفحات الحوادث، فمن كوارث طبيعية إلى كوارث سياسية إلى انقسامات وحروب داخلية (بعد انفصال الجنوب فهناك دعوات انفصالية مسلحة فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق)، وأخشى إذا ما استمر التقاعس والخذلان العربى للسودان وإزاء تربص محيطه به، أن نقرأ نعيه يوما ما فى صفحة الوفيات. وتلك كارثة مضاعفة، لأننا لن نخسر وطنا فحسب ولن ينكشف ظهر مصر وأمنها القومى فحسب ولكننا سنخسر أيضا أهم جسور العرب إلى أفريقيا. وحينئذ لن يجدى منا البكاء والعويل والحسرة على فقدان الشقيق العزيز.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved