العربدة الطائفية

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 14 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى عهد مبارك استهدفت الجماعات الإسلامية المتشددة الإقباط فى أرواحهم وممتلكاتهم وكنائسهم لعدة أسباب أبرزها تكفيرهم عقيديا، واستحلال أموالهم، وإظهار ضعف النظام الحاكم فى حماية مواطنيه، أسوة بما كانوا يرتكبونه من جرائم ضد السياح الأجانب والمسئولين فى الدولة والمثقفين. وحين أعلن بعضهم مراجعة أفكاره، ونبذ العنف، وهى مسألة ذاتية خاصة به لا علاقة لها بالمجتمع الذى كان ينتظر القصاص من القتلة، كان ينبغى أن يدفع هؤلاء تعويضات مالية لضحاياهم، الذين لا ذنب لهم، لا أن يشملهم عفو رئاسى يمحو جرائمهم، ويجعل منهم قادة وساسة ومشرعين، وفى النهاية رأيناهم يخطبون فى «رابعة العدوية» يتوعدون الرءوس التى حان وقت قطفها، يهددون خصومهم السياسيين ببحور الدم، ويستعيدون خطاب تكفير المعارضين الذى لم يتنازلوا عنه.

أياديهم تعبث الآن فى الصعيد، من محافظة لأخرى، يفتعلون الفتن، ويعتدون على الأقباط، وينهبون متاجرهم، ويحطمون كنائسهم عيانا جهارا. التبرير الأعرج الذى يقدمونه أن الأقباط خرجوا على الرئيس محمد مرسى مع جموع المصريين يوم 30 يونيو، وكأنهم أنصاف مواطنين لا رأى لهم، أو هم رهائن عند الجهاديين والتكفيريين الذين رفعوا علم تنظيم القاعدة على مطرانية سوهاج، ويلطخون جدران الكنائس بشعارات الكراهية الدينية، والدعوة إلى مقاطعة الأقباط.

جريدة «التايمز» البريطانية تقول إن الأقباط يشعرون بالخوف عقب عزل محمد مرسى، وهل نعموا بالحرية والمساواة والمواطنة فى عهده. ألم تحدث وقائع طائفية بغيضة خلال فترة حكمه القصيرة، ومُزق الكتاب المقدس فى الشارع، واتهم عدد منهم بازدراء الإسلام وإهانة الرئيس، وظلت الكاتدرائية المرقسية تحت الاعتداء بالمولوتوف والحجارة والقنابل المسيلة للدموع لساعات طويلة. وعندما تحدث مسئول فى الكاتدرائية مع السفير رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية عما يحدث، قال له إن الاتحادية أيضا واجهت المولوتوف والحجارة، فما الداعى للغضب؟

العربدة الطائفية فى الصعيد لا يجب التعامل معها بجلسات الصلح العرفى التى تجعل الجانى والمجنى عليه على قدم المساواة، ولكن بتقديم المعتدين والمحرضين أيا كانوا للعدالة. حكم القانون هو أساس بناء الجمهورية الجديدة، التى تقوم على حماية مواطنيها، ولا تسمح بإدارة التعددية الدينية من خلال أساليب الدولة القديمة التى ثبت عقمها، وأفضت فى النهاية إلى تشجيع التطرف والإرهاب والعنف طالما أن القانون لا يُطبق، والنهاية هى جلسة صلح يبتلع فيها المجنى عليه جراحه، ويخرج الجانى سليما معافى، لا تطوله يد القانون، رغم أن جرائمه لها توصيف وعقاب فى قانون العقوبات.

الأقباط يعانون، لكنهم بالتأكيد ليسوا وحدهم. مصر ترنو إلى التعافى من التطرف والعنف، بمسلميها ومسيحييها، فما يحدث لا يعبر عن مصر التى رأيناها فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ولا يعبر عن مصر الأزهر، ولكن يقدم نموذجا لدولة تنتشر فيها بؤر التطرف والعنف، ويُفتأت فيها على مؤسساتها الوطنية، ويعاد تشكيل هويتها بما يجافى الخبرة المصرية، كيان غريب لا علاقة له بالنسيج الوطنى العام، ينضح استعلاء وكراهية ضد المختلفين مسيحيين ومسلمين.

الغريب هو صمت الأمريكان وأوروبا عما يجرى للأقباط.. لا ننتظر منهم شيئا، ولا نراهن على معاييرهم المزدوجة التى تجعلهم فى نفس الخندق مع المحرض على العنف والكراهية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved