الاستثناء الأمريكى
دوريات عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 14 أغسطس 2019 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مجلة The Atlantic مقالا للكاتب «دايفيد فران» عرض فيه أن محاولات إضفاء أسباب سياسية على عمليات القتل الجماعية التى تحدث فى الولايات المتحدة مضللة.. وأرجع السبب الرئيسى لهذه العمليات هى سياسات الولايات المتحدة بشأن حيازة الأسلحة.
يوجد فقط دولة واحدة متقدمة يعتبر إطلاق سباق للقتل الجماعى فيها قانونى، بل أيضا سهلا. يصادف أن هذه الدولة أيضا ــ وهى الدولة الوحيدة ــ المبتلية دائما بعمليات القتل الجماعى المرتكبة من قبل أشخاص مضطهدين.
هذه المشكلة معقدة ويصعب التخلص منه.. ومع تزايد الخسائر الناجمة عن حوادث إطلاق النار، فإن الأمريكيين يعبّرون عن حالة من الارتباك، ويتنافسون على ابتكار إجابات لا شأن لها بتفسير الواقع.
على مر التاريخ، لا يستطيع أحد زعم أن عمليات القتل الجماعية التى حدثت كان وراءها دافع سياسى محدد. فكان من الواضح أن دافع ستيفن بادوك الذى أطلق النار من غرفة فندق فى لاس فيجاس فى أكتوبر 2017 ــ قاتلا 58 شخصًا ومصيبا مئات آخرين ــ هو غضبه الشخصى من العالم.
أما عن عمر ماتين ــ وهو مرتكب لثانى أكبر عمليات القتل الجماعى ــ فتبنى شعارات إسلامية فى رسائله الأخيرة قبل أن يهاجم ملهى ليلى مثلى الجنس فى أورلاندو فى يونيو 2016، مما أسفر عن مقتل 49 وإصابة 53.
وكان ثالث ورابع أكثر عمليات القتل الجماعية دموية ــ سيونج وهو الذى أطلق النار على جامعة فيرجينيا وآدم لانزا الذى أطلق النار على مدرسة Sandy Hook ــ كلاهما معاديان للمجتمع ومرتكبيهم عانوا من الأمراض العقلية. وكانت خامس العمليات الأكثر دموية ــ إطلاق النار على كنيسة ساذرلاند سبرينغز ــ ارتكبت من قبل شخص ملحد. وتأتى فى المرتبة الثامنة الأحداث التى وقعت فى مدينة إل باسو التى تقع فى ولاية تكساس الأمريكية، وتحقق السلطات ما إذا كان كتب القاتل بيانا يشير إلى التفوق الأبيض.
قام مقاول دفاعى مصاب بجنون العظمة بإطلاق النار فى ساحة البحرية بواشنطن مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا فى عام 2013. ولا نعرف حتى الآن ما الذى دفع المسلح فى دايتون بولاية أوهايو إلى قتل تسعة أشخاص وإصابة 27 آخرين. لكن فى عام 2014، قام رجل يدعى إليوت رودجر بقتل ستة أشخاص وإصابة 14 فى ولاية كاليفورنيا للتعبير عن غضبه ضد النساء.
ستعكس هذه القائمة مجموعة واسعة من النقاط السياسية التى من الممكن تسجيلها إذا كانت الرغبة هى إيجاد أسباب سياسية وراء هذه الهجمات. فهذه القائمة تتضمن المهاجرين والسكان الأصليين؛ البيض وغير البيض، المسلمين والمسيحيين اليمينيين واليساريين وغير السياسيين. حتى أن هذه القائمة تحتوى على النساء.. حيث كان هناك امرأة تدعى تاشفين مالك استهدفت مع زوجها سيد رضوان فاروق حفلة عيد ميلاد ترعاها دائرة الصحة العامة المحلية التى كان يعمل بها زوجها.
على الرغم من تنوعهم، فإن كل هؤلاء القتلة كان لديهم شىء واحد مشترك: ولوجهم للأسلحة الذى يسمح به النظام الفريد فى الولايات المتحدة. وفى المقابل، يعكس هؤلاء القتلة إصرار الولايات المتحدة على تجاهل ما هو واضح.
تظهر القومية البيضاء كحركة إرهابية دولية قاتلة. إل باسو هى الأحدث والأخيرة فى سلسلة عمليات القتل. ولكن قبل 48 ساعة من إطلاق النار الجماعى على ال باسو، قام وزير الداخلية الإيطالى بإلقاء خطبة عنصرية ضد أهالى روما. لم تكن هذه الجريمة الأولى من جانب ماتيو سالفينى، أحد معجبى الرئيس دونالد ترامب.. فإيطاليا يوجد بها حركة سياسية يمينية متطرفة، تنظم مظاهرات عامة لتكريم بينيتو موسولينى.. تفتقد فقط إلى عمليات إطلاق النار الجماعى.
القومية البيضاء ــ مثل التطرف الإسلامى ــ تعتبر تهديدا سياسيا داخليا خطيرا للديمقراطية. مثل التطرف الإسلامى، تمتد القومية البيضاء عبر الحدود، وتستهدف جمع الشباب المنعزل والغاضب من على الإنترنت. مثل التطرف الإسلامى، يمكن أن تتسبب القومية البيضاء إلى القيام بعمليات قتل جماعية حتى فى البلدان التى تضع سياسات عقلانية على حيازة الأسلحة.. مثل النرويج ونيوزيلندا.
مثل التهديد الذى يمثله التطرف الإسلامى، يستدعى شبح القومية البيضاء الأمريكيين للدفاع عن مؤسساتهم وقيمهم ضد هذه الأيديولوجية العنيفة. لكن هذا لا يعنى أن ما تعانيه الولايات المتحدة من زيادة فى عمليات القتل الجماعية مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى سببه التطرف الإسلامى أو القومية البيضاء. إن سجل العنف الفريد من نوعه فى أمريكا هو نتيجة لمواقف أمريكا تجاه حيازة الأسلحة.
المزيد من الأسلحة يعنى المزيد من القتل. القليل من الأسلحة يعنى عمليات قتل أقل. الجميع يستوعب ويعى ذلك.. الأمريكيون ــ والأمريكيون وحدهم ــ يرفضون الاعتراف بذلك.
إعداد
ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
http://bit.ly/2Tqg4g1