أعيادنا صورة لواقعنا

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 14 أغسطس 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الشروق الجزائرية مقالا للكاتب «محمد بوالروايح».. جاء فيه ما يلى.
ليس من المبالغة القول إنه حيثما وليت وجهك فى مجتمعنا الجزائرى ومعه جل المجتمعات العربية والإسلامية رأيت مظاهر البداوة الاجتماعية التى تبهت الصورة الجميلة للشريعة الإسلامية، وتزداد مظاهر هذه البداوة الاجتماعية فى الأعياد التى بدلا من أن تكون محطات لامتحان القيم والنظم تحولت بسبب سلوكاتنا السيئة إلى محطات للفوضى المركبة التى أصبحت جزءا لا يتجزأ من ديكورنا اليومى والموسمى والسنوى.
لقد شرع الإسلام الأعياد لإحياء الرابطة الإيمانية وتقوية الصلات الاجتماعية، ووضع المشرعون الاجتماعيون قواعد النظام الاجتماعى الذى لا تكتمل حقيقة الإسلام إلا به، ولكن واقعنا لا يوحى بشىء من ذلك بعد أن غرقنا فى حمأة البداوة الاجتماعية التى طوقتنا وجعلت من أعيادنا صورة لواقعنا المتردى الذى لا نحسد عليه.
إن أكثر ما يميز الأمم ويعبر عن مدى ارتباطها بدينها وتراثها هى الأعياد، ولكل أمة طريقتها فى التعبير عن هذه المعانى، فالبوذى يعبر عنها بمهرجان بوذا الذى يقام سنويا بمقاطعة خنان بالصين احتفالا بميلاد بوذا، مهرجان تتشكل فيه صورة بشرية جميلة ومتناغمة، والمسيحى يعبر عنها من خلال صورة الجموع المصطفة والمنضبطة فى الكنائس وهى تردد الترانيم، واليهودى يعبر عنها بترانيم توراتية تؤدى فى المعبد اليهودى الذى تتحد فيه النفوس والأنفاس، فلا ترى شاردا ولا ماردا ولا متمردا على نظم الجماعة.
ليس من التهويل القول إننا فى الوطن العربى والإسلامى أو أكثرنا لسنا أهلا لما شرفنا الله به من أعياد لأننا أفسدنا هذه الأعياد بما ورثناه من عادات سيئة لا تزيدنا إلا بعدا عن حقيقة الشريعة الإسلامية، ومن هذه العادات السيئة جشع التجار ولهيب الأسعار، الذى يزداد فى الأعياد وكأن العيد قد تحول إلى موعد للابتزاز يتربص فيه بارونات السوق بالمتسوق ليسلبوه آخر دينار ولا يتركوا له عقدا على نقد.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، أعياد يكثر فيها الانتهازيون والمتربصون بالمواطن المغلوب والمسلوب والمصلوب الذى لا حول له ولا طول وكأن هؤلاء قد انسلخوا من كل قيمة إنسانية وإسلامية وكأن قلوبهم قدت من حديد فلا يحسون بمعاناة الناس أمام جاذبية الدنانير التى سلبتهم كل إحساس.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، أعياد يكثر فيها المحتكرون وكأنهم لم يقرأوا الوعيد النبوى لكل محتكر همه جمع الثروة بكل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة، فقد جاء فى الحديث النبوى: «لا يحتكر إلا خاطئ»، وجاء فى الحديث المرفوع، عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة ظل فيهم امرؤ من المسلمين جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل».
إذا كانت ذمة الله عز وجل بريئة ممن يحتكر طعاما أربعين ليلة، فما يمكننا أن نقول عن صنف من التجار يحتكرون الطعام سنة كاملة من أجل بيعها بأثمان باهظة فى مواسم الذروة إن صح التعبير وفى مقدمتها المواسم والأعياد؟، وماذا يمكننا أن نقول عن صنف من التجار يشترى السلعة بفلس ثم يحتكرها ليبيعها بأضعاف ثمنها؟، وماذا يمكننا أن نقول عن صنف من التجار يرهقون جيوب المواطنين ولا يرجمون فيهم ضعفا ولا حاجة ثم تجدهم يهرعون إلى مزاحمة المصلين فى الصفوف الأولى طمعا فى زيادة الأجر؟، ألا إن زيادة الأجر قد ذهبت مع زيادة الوزر بسبب العنت الذى سببوه للمحتاجين الذين يتجولون فى الأسواق طويلا ثم يخرجون منها لا يلوون على شىء.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض المضحين الذين تراهم ينحرون أضاحيهم فى الممرات والطرقات لا يبالون بما يحدثونه من فوضى عارمة مضرة بالصحة وبالبيئة، وواقع بعض المضحين الذين يظنون أنهم يتقربون إلى الله وهم يزدادون بعدا عنه بما يقومون به من تصرفات مشينة لا تمت إلى الخلق الإسلامى بصلة، فقد ترى أحدهم وهو يفتق «الدوارة» فى الحارة فتندلق الأقتاب مسببة أذى كبيرا للمارة.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض الباعة الفوضويين الموسميين الذين يجلبون أكواما من التبن فينثرونه على قارعة الطريق ثم ينفضون وقد امتلأت الطرقات بما يتناثر ويتطاير فيسبب هذا عبئا كبيرا لمهندسى النظافة الذين يقضون الأيام الطوال من أجل إزالة هذه الأكوام، هذا علاوة على ما تخلفه من آثار على البيئة.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض المستخفين بأحكام الشريعة الإسلامية الذين يجدون فى عيد الأضحى موعدا سنويا لتنظيم دورة بين الأحياء فيما يسمونه ظلما «مسابقة صراع الكباش» وهو فى الحقيقة سلوك وفعل مخالف لأحكام الإسلام، فقد نهى الإسلام عن التحريش بين البهائم وعده فعلا محبطا للعمل مذهبا للأجر مورثا للوزر، فعن ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن التحريش بين البهائم، والنهى كما يقول الأصوليون يفيد التحريم.
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض الصغار وحتى بعض الكبار وهم يجولون بالأضاحى فى كل النواحى زاعمين أنها تعبير عن الاحتفاء بالأضحية فى حين أنها مظهر من مظاهر الرياء وتعذيب البهيمة المنهى عنه شرعا، فبأى ذنب تخرج البهيمة من السقيفة فيمسك هذا بقرنها ويجرها هذا من ذيلها وينهال عليها آخر بهراوة إذا امتنعت عن السير ثم تعاد عند آخر النهار منهكة متعبة، أين هذا السلوك السيئ من قيم الإسلام وروح الشريعة وحقيقة الشعيرة؟
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض المواطنين الذين يرمون جلود الأضاحى فى القمامة غير مكترثين بما تسببه من روائح كريهة تؤذى السكان، فأين هؤلاء من إرشادات وتوجيهات المصالح المختصة؟ وأين هؤلاء من نشرات التوعية حول البيئة؟، وأين هؤلاء من توجيهات وتنبيهات الأئمة بخصوص الالتزام الدينى والحس الحضارى؟
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع المحلات المغلقة التى تفسد على المواطن نشوة العيد وتجبره على قطع الأميال للظفر ببعض الحاجيات، أو تقحمه فى صراع من أجل جلب ضروريات العيش التى قد تدخله الإنعاش؟
إن أعيادنا صورة لواقعنا، واقع بعض الفضائيات والقنوات الإعلامية التى تركز على أنواع الأطباق وكأن العيد شرع لملء البطون وتلبية الأذواق، لا شك أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب ولكنه أرشد المسلمين إلى الاهتمام بما هو أكبر وأعظم وهى مقاصد الطاعات والعبادات، ولذلك قال الله تعالى فيما يتعلق بالنسك: «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم».
إن أعيادنا صورة لواقعنا المزرى لولا أعمال البر التى تقوم بها ثلة من أهل الخير، الذين ضحوا بأوقات فراغهم ولمة العائلة من أجل إسعاد الآخرين، وخدمة الأمة، ولولا أيضا مظاهر التكافل الاجتماعى التى أدخلت الفرحة على قلوب الأرامل والأيتام والمرضى، هذه الأعمال تنسينا جزءا من واقعنا المر فأرجو أن تكون بداية لواقع أفضل ننشده لوطننا المفدى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved