دعم الانتماء بالبطاقة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 14 أغسطس 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

رغم كل الضجيج الاحتفالى الذى يحيط بما يسمى «تنقية بطاقات التموين» من غير المستحقين، هناك جوانب مهمة سقطت من حساب هؤلاء المحتفلين سواء كانوا مسئولين أو سياسيين أو حتى إعلاميين.
فمع هذا الضجيج لم يتوقف أحد أمام معايير التنقية التى يتم تشديدها كل مرحلة من أجل استبعاد أكبر عدد ممكن من المواطنين بدعوى أنهم غير مستحقين للدعم، مع أن بيانات الحكومة نفسها تؤكد أن أكثر من نصف المصريين باتوا ممن يستحقون ليس فقط الدعم وإنما الصدقة.
فكيف لم يلتفت السادة المسئولون ومن معهم إلى أن تحديد سنة صنع السيارة المملوكة للمواطن كمعيار لاستحقاقه الدعم من عدمه يفتح الباب أمام استبعاد مئات الآلاف ممن يمتلكون سيارة صغيرة موديل 2013 لم يكن يزيد ثمنها عند شرائها عن 70 ألف جنيه، فى حين سيحتفظ بالدعم من يمتلك سيارة فارهة موديل 2011 ثمنها مئات الآلاف من الجنيهات. كما أن قيمة فاتورة التليفون المحمول ليست مؤشرا على ثراء المواطن لأنه يمكن أن يستخدم هذا التليفون فى إنجاز مهام عمله البسيط. وكذلك اعتبار مجرد سفر عائل الأسرة إلى الخارج سبب لوقف البطاقة، أمر غير منطقى لأن ملايين المصريين الذين يسافرون إلى العمل فى الخارج يتركون وراءهم عائلات تحتاج إلى الدعم، لأنهم لا يغرفون من أنهار الأموال المتدفقة فى الخارج.
ربما كان من الأفضل والأجدى لو استهدفت عملية التنقية شطب اسماء المتوفين أو الاسماء الوهمية والتى أعتقد أنها يمكن أن تصل إلى الملايين خاصة وأن الرقم الأصلى للمسجلين على بطاقة التموين كان 81 مليون شخص، بحسب اللواء مصطفى الصادق رئيس مجلس إدارة نظم المعلومات بوزارة الانتاج الحربى، مع أن استخراج البطاقة وإضافة المواليد كانت شبه متوقفة منذ نحو عشرين عاما، أى عندما كان إجمالى عدد سكان مصر لا يزيد عن 70 مليون نسمة.
وبعيدا عن كل هذا يتبقى جانب آخر من الصورة ربما لا يلتفت إليه الكثيرون أو لا يعلمون بوجوده من الأصل وهو أن بطاقة التموين والدعم الذى يحصل عليه المواطن من خلالها أصبحت تمثل واحدة من روابط قليلة متبقية بين المواطن والدولة على أرض الواقع، بعد أن تخلت الدولة عن الكثير من مسئولياتها تجاه المواطن وتركته يحل مشكلاته بنفسه، فيبحث عن العلاج خارج مستشفياتها وعن التعليم خارج مدارسها، وعن حقوقه بعيدا عن مؤسساتها.
وبالتالى فإن إلغاء بطاقة تموين أغلب المواطنين حتى لو كانوا من فئة المستورين، يعمق لديهم الشعور بتخلى الدولة عنهم، وهو أمر خطير، خاصة فى ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تمر بها ليس فقط البلاد وإنما المنطقة كلها.
أعتقد أن هذا الجانب غير الظاهر يحتاج إلى دراسة من جانب القائمين على ما يسمى بتنقية بطاقات التموين حتى لا يكون خفض مخصصات الدعم هو الهدف الذى يسعى وراءه المسئولون، بغض النظر عن تكلفته الاجتماعية والسياسية وهى تكلفة ربما تكون أكبر وأخطر من عدة مليارات من الجنيهات ستوفرها هذه العملية بقواعدها الحالية ومعاييرها القاصرة.
أخيرا إذا كانت القاعدة القضائية تقول إن تبرئة مائة مذنب أفضل من إدانة برىء واحد، أرى أن حصول مائة شخص يشتبه فى أنهم غير مستحقين على الدعم، أفضل من حرمان مستحق واحد منه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved