الاتفاق.. بين «الطعنة» و«الإنجاز»!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 14 أغسطس 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

دائما ما تغيب الحقائق، ويضيع معها المنطق، عندما تخضع القضايا المصيرية، للتعاطى من قبل المعسكرين أو المحورين المتصارعين بقوة فى عالمنا العربى، ومن يدور فى فلكهما من تنظيمات وجماعات ووسائل إعلام.
اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، الذى تم التوصل إليه قبل يومين، هو النموذج الأحدث والأوضح على هذا الأمر، إذ إنه بمجرد الإعلان عنه، بدأ كل معسكر فى شحذ أسلحته، إما لمهاجمة الاتفاق ونقده بدون عقل، أو للدفاع عنه بدون وعى.
المعسكر المناوئ للإمارات، تعامل مع الاتفاق على أنه فرصة للنيل منها ومن المعسكر الذى تنتمى اليه، واعتبره قفزة للخلف، وطعنة نافذة فى قلب القضية الفلسطينية، ومكافأة مجانية للاحتلال على جرائمه وانتهاكاته المستمرة بحق الشعب الفلسطينى، كما أنه يشجعه على ارتكاب مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين!
أما المعسكر الثانى المؤيد للإمارات فرأى الاتفاق، خطوة جريئة تشكل إنجازا تاريخيا هائلا يغير وجه المنطقة، ويحقق السلام المفقود، ويرسى قواعد الاستقرار المنشود، ويجلب الرخاء والتنمية لجميع الشعوب.
الإمارات حاولت تسويق اتفاق التطبيع المفاجئ مع إسرائيل، بالتأكيد على أنه جاء لـ«الحفاظ على فرص حل الدولتين»، وساهم فى «تجميد إسرائيل لقرار ضم الأراضى الفلسطينية»، وفق تغريدات عبر «تويتر» لوزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية أنور قرقاش، لكن رئيس وزراء الكيان الصهيونى، بنيامين نتنياهو، لم يعط فرصة كافية لهذه الرواية، وقال إن «قضية الضم ستبقى على الطاولة، وإنه ملزم على القيام بها بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية فقط»، مشيرا فى تصريح هو الأخطر له إلى أنه «ستكون هناك اتفاقات كاملة مع دول عربية من دون العودة إلى حدود 67».
ما بين هذه الرؤى المتناقضة للاتفاق، غابت الحقائق وضاع المنطق واختلطت الأمور على المواطن العربى العادى، غير المنتمى لأى معسكر من معسكرى الصراع بالمنطقة، حيث إنه فى خضم هذه المزايدة السياسية من قبل جميع الأطراف، لم يتوصل لإجابات واضحة ومحددة عن الدوافع الحقيقية لهذا الاتفاق، وما هى تأثيراته المستقبلية على القضية الفلسطينية.
أغلب الظن لم يكن دعم السلام، هو الهدف الرئيسى للإمارات من وراء اتفاق التطبيع مع إسرائيل، لكن الدافع الحقيقى له، هو ذلك القلق المبرر من الجار الإيرانى ومغامراته الكارثية فى المنطقة، وتهديده المستمر لدول الخليج، التى باتت تستشعر الخطر وتبحث عن حلفاء جدد لمساعدتها على مواجهته، وليس هناك من طرف قوى لديه نفس المخاوف من سلوك طهران سوى تل أبيب.
كذلك لعبت الضغوط الأمريكية على دول المنطقة، دورا مهما فى التوصل إلى هذا الاتفاق، الذى يسعى الرئيس ترامب لاستغلاله فى حملته الانتخابية كإنجاز، ربما يساعده على تخطى منافسه الديموقراطى جو بايدن، والاحتفاظ بالمقعد الرئاسى لولاية ثانية.
نستطيع بكل تأكيد لوم الإمارات على هذه الخطوة غير المبررة، لاسيما أنها ليست على خطوط تماس مباشرة مع العدو الصهيونى، كما أنها تمنح إسرائيل عبر هذا التطبيع مكاسب مجانية، بدون أن تقدم الأخيرة تنازلات أو تتخذ خطوات ملموسة فى سبيل انهاء احتلالها للأراضى الفلسطينية منذ عام 67.
لكن للحقيقة لم تكن الإمارات الأولى فى التوجه نحو التطبيع مع تل أبيب، فقد سبقتها مصر (عام 1979) والأردن (عام 1994)، بل إن هناك علاقات دافئة ومميزة فى السر بين تل أبيب والكثير من العواصم العربية والإسلامية، وبالتالى اذا أردنا لوم الإمارات، فعلينا لوم الجميع، بمن فيهم الفلسطينيون المنقسمون منذ سنوات، والذين يجب عليهم إدراك أن لا أحد فى العالم العربى سوف يساعدهم على تحرير أرضهم، وأن عليهم الاعتماد على أنفسهم والتوحد لتحقيق هذا الهدف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved