هل سيفاجئنا الرئيس الأمريكى مرة أخرى بالفوز؟

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الجمعة 14 أغسطس 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

على الرغم من فوز هيلارى كلينتون فى الانتخابات منذ أربع سنوات بـفارق مليونى صوت، فإنها خسرت الانتخابات فى مجموع الدوائر الانتخابية بالولايات، ومن ثم لم تصبح رئيسة للولايات المتحدة ورئيسة للعالم الحر. واليوم تقف الولايات المتحدة والعالم كله على مشارف انتخابات ديمقراطية جديدة على الطريقة الأمريكية. لا يبالى كثيرا بأصوات الناخبين ولكن أصوات النخبة الانتخابية التى يتم انتخابها فى كل ولاية على حدة نسبة إلى عدد سكان الولاية، وهو ما يمثل فى نظر الناخب الأمريكى الميزان الديمقراطى وعدم إغفال تصويت الولايات الصغيرة.
وإن الظاهر حتى الآن، وبأى معيار موضوعى، أن احتمالات إعادة انتخاب الرئيس ترامب تبدو ضعيفة، ويواصل غريمه المرشح الديمقراطى جو بايدن تفوقه بنسبة 8.1 فى المائة فى معظم الولايات. ولكن هذا ليس بالضرورة المشهد الأخير للفيلم الذى تعيشه الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن الاقتصاد فى أدنى مستوياته والبطالة أعلى من أى وقت مضى منذ 1930، أى فترة الكساد العالمى، فإن مؤيدى الرئيس الحالى لا يستبعدون انقلاب الوضع رأسا على عقب فى أية لحظة لصالح ترامب، ويعود الوضع إلى ما كان عليه قبل استفحال جائحة كورونا. ويشدد مؤيدو ترامب أنه سيفوز حتما فى نوفمبر، ولا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأى، حيث إنها غالبا ما تكون مزيفة، وتغيب الحقيقة عن وسائل الإعلام المتحيزة، كما أن هؤلاء يؤمنون بأن جو بايدن إن عاجلا أم آجلا سوف يخطئ خطأً فادحا يودى به. ويؤمن مؤيدو ترامب بأنه ليس مجرد رئيس، بل هو تجسيد لأمريكا أولا والمنفردة بالقوة على الصعيد العالمى، وهو لا يستطيع أن يفشل.
ولا يمانع هؤلاء من تأرجح استطلاعات الرأى فى الوقت الحاضر، حيث يزعمون أن الثقة المفرطة بالفوز عادة ما تأتى بأثر عكسى، مستندين إلى واقع انتخابات 2016 والافتراض بأن هيلارى كلينتون ستفوز مما أساء إليها بالتأكيد، لأن المؤيدين المحتملين شعروا بأنه لا حاجة لهم للاقتراع وآثروا البقاء فى المنزل مطمئنين لفوز مرشحتهم.

فضلا عن أن إيمان مؤيدى ترامب بإعادة انتخاب الرئيس الأمريكى لا تأتى من فراغ، بل يستندون فى ذلك إلى حجج ــ وإن كانت واهية للبعض ــ فهى تدعم من ثقتهم به. وأولى هذه الحجج إعجابهم الشديد برجل لا يعترف أبدا بالخطأ ويعبر عن النرجسية ويكره «الخاسرين». وهم يتبعونه بشكل منهجى دون جدل. أضف إلى ذلك، ضعف قناعة القاعدة الديمقراطية المؤيدة لجو بايدن بقدراته، حيث إن غالبية الديمقراطيين يركزون على هزيمة ترامب أكثر من إيجاد حجج موضوعية لدعم مرشحهم، وهو ما يقلل من قدراتهم على إقناع الناخبين المتأرجحين وجذبهم للتصويت معهم.
***
هذا، بينما نشهد حماس الجمهوريين ورغبتهم الحقيقية فى دعم وإعادة انتخاب ترامب لشخصه وإيمانا به وإعادة الولايات المتحدة إلى مجدها فى الخمسينيات والستينيات واستبعاد إقامة دولة متوازنة تجمع بين الأعراق المختلفة من غير البيض خشية توجهها إلى اليسار. وإن مؤيدى ترامب مستعدون للذهاب معه فى ذلك إلى أبعد مدى والطعن فى نزاهة الانتخابات إذا ما اقتضى الأمر فى النهاية. فإيمانهم راسخ بفوز ترامب ولن يقبلوا ببديل، وإن كان ليس معلوما بعد إذا كان الرئيس الأمريكى ومؤيدوه على استعداد لقبول التصويت إلكترونيا أو بالبريد، والذى سيسمح فى نظرهم إلى تزوير فى الانتخابات، بما قد يؤدى إلى اندلاع المظاهرات على اعتبار احتيال الديمقراطيين واتهامهم بالغش والخديعة. ولا تزال قبضة ترامب على الحزب الجمهورى قوية، وتخشى قيادات الحزب انتقاده علنا، خوفا من إغضابه وإغضاب الناخبين، الذين يذهبون إلى حد تبجيله.

وهذا جانب ترامب من قصة الانتخابات، وعلى النقيض، يزداد شعور الكثيرين وبنفس الانفعال والعنف تجاه الرئيس ترامب ــ وإن كان ليس بالضرورة من منطلق دعمهم للمرشح الديمقراطى، على نحو ما سلف ذكره. واستفحلت التوترات العرقية وتأزمت فى أعقاب مقتل جورج فلويد الشاب الأمريكى الأسود بوحشية على يد ضابط شرطة أبيض فى مايو 2020 فى مينابوليس، وما أتبع ذلك من موجة احتجاجات صاخبة على مستوى الولايات المتحدة ككل. وإقرانًا بذلك، أدى سوء تعامل الرئيس الأمريكى وإدارته لجائحة كورونا باستخفاف إلى الانقلاب عليه وعدم استبعاد خسارته فى استطلاعات الرأى بنسب متزايدة.
***
وحتى هذه اللحظة، يجرى دونالد ترامب حملة لإعادة انتخابه من منطلق القوة ويكتفى بوصف بايدن بأنه سلبى وذو مستوى ذكاء محدود، واعتبار ما يسميه بـ «فيروس الصين» الذى قتل ما يقرب من 160 ألف أمريكى حتى الآن هو مجرد جائحة عابرة. وأن الرئيس الأمريكى على قناعة تامة بأن ما أقدمت عليه الصين من نقل وباء كورونا هو حرب بجميع السبل الممكنة لدرء تقدم الولايات المتحدة ومعاقبتها على نجاحها الاقتصادى المتميز. وفى ذلك، يرى الكثير من المراقبين السياسيين أن ترامب قد قام بتحويل الأزمة التى تواجهها الولايات المتحدة إلى صراع شخصى مع الصين.

كما أن ترامب يزعم أن العنف الذى أقرته إدارته ضد المتظاهرين له ما يبرره للدفاع عن «التراث الأمريكى» ــ وهو ما يعنى الاحتفاظ بالآثار الكونفيدرالية لدولة الجنوب والتى خاضت الحرب ضد الشمال ولا يتوقف الرئيس الأمريكى عن الإشادة بالأولى والرغبة فى إحياء العلم الكونفيدرالى وأسماء الذين خاضوا الحرب تأييدا للتفرقة العنصرية وإلى جانب العبودية.

ويبدو أن حملة ترامب مصممة على أن تصبح أكثر عدوانية فى الأشهر الأخيرة من الانتخابات، حيث تسعى إلى محو أى تقدم أحرزه جو بايدن فى استطلاعات الرأى. وتتداول الصحف الأمريكية منذ الآن توجه حملة ترامب إلى تصوير المرشح الديمقراطى المعتدل كممثل لليسار وكنوع من حصان طروادة يسيطر عليه اليساريون للسيطرة من خلاله على الإدارة الأمريكية. وهو لا شك تحول فى حملة ترامب نعزيه إلى مدير حملته الجديد وعدم الاكتفاء بوصفه المرشح الديمقراطى بالسلبية إلى اتهامه بأنه يمثل خطرا داهما على مستقبل الولايات المتحدة وتحولها إلى الاشتراكية استنادا إلى خطورة الأشخاص الذين يحيطون به. وغنى عن البيان ما لدى الشعب الأمريكى من نفور تجاه فكرة الاشتراكية واليسار. وبالتالى، من المرجح أن تكون الأشهر المقبلة من الحملة أكثر عنفا وشراسة مما هى عليه الآن، بل وأكثر من ذلك، يخشى الديمقراطيون والمراقبون أن يسعى ترامب إلى تقويض الانتخابات إذا ما خسرها وإقحام البلاد فى فوضى عارمة.
***
وأقل ما يمكن قوله هو أن الناخبين يواجهون كابوسًا فى نوفمبر ولم يتراجع الرئيس ترامب عن التلويح بتأجيل الانتخابات فى الثالث من نوفمبر، على الرغم من أنه يعلم جيدا أنه ليس لديه القدرة على إجراء أى تغيير فى تاريخ الانتخابات والذى جاء منصوصا عليه فى الدستور. ومن المتوقع أن تتعدى المرحلة الأخيرة الخطوط الحمراء للحملتين. وأنه من المثير للدهشة وقبل أن أختتم هذا المقال الإشارة إلى ما ذكرته مجلة الأطلسى فى عددها الصادر فى يوليو 2020. سوف يستعد ترامب فى حالة خسارة هذه الانتخابات لإعادة ترشيح نفسه مرة أخرى فى عام 2024. وإذا كانت صحته لا تسمح بذلك، فقد يتصور أولاده أحقيتهم فى الترشح لمحاكاة عائلة كيندى وبوش وبناء سلالة خاصة بهم. غير أن كاتب المقال يعود ويفند هذا التصور فى أنه غير واقعى، حيث ستبقى ذكرى ترامب مسجلة بالعنصرية والتعنت فى السياسة الأمريكية بعد كوارث عام 2020. لكن ما زالت الدائرة المقربة من ترامب تؤمن به وما زالوا يعلقون آمالا واسعة لتعثر بايدن قبيل الانتخابات أو افتعال تهمة له. وليس ذلك مستبعدا، إذا ما أعدنا إلى الذاكرة انتخابات 2016 والفضيحة المصطنعة لهيلارى كلينتون باستخدام بريدها الإلكترونى الخاص أثناء عملها كوزيرة خارجية للبلاد، مما كان أحد الأسباب الرئيسية لخسارتها. وتبقى الانتخابات الأمريكية مفتوحة على مصراعيها، لا أحد يمكن أن يراهن عليها أو يتنبأ بنتائجها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved