ملاحظات سياسية على انتخابات الشيوخ

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 14 أغسطس 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

«انتخابات مجلس الشيوخ، نظيفة، ولم نرصد فيها أى مخالفات ولم نتلق أى شكاوى من المرشحين»
هذا ما قاله المستشار لاشين إبراهيم، رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، فى حوار مع الزميلين محمود مسلم، وأحمد ربيع، فى جريدة «الوطن» يوم الإثنين الماضى.
هذا التصريح سيفهمه البعض بصورة إيجابية، أى أن أجهزة الدولة المختلفة أدت دورها كاملا فى إخراج المشهد الانتخابى بهذا الشكل الخالى تماما من أى منغصات، لكن البعض الآخر قد يفهمه باعتباره دليلا على غياب المنافسة التامة من الانتخابات خصوصا فى القوائم المطلقة.
السمة الأساسية لأى انتخابات فى أى مكان بالعالم، أنها تشهد منافسات ومشادات وخناقات وشكاوى وقضايا ومحاكم، ورأى عام هنا وهناك بين المرشحين والأحزاب.
سيقول البعض ولكن هناك ١١ حزبا سياسيا موجودة فى القائمة الوطنية الموحدة، وأن الباب كان مفتوحا أمام الجميع للترشح.
هذا صحيح، وكمواطن مصرى يحب هذا البلد، فقد كنت أتمنى أن يكون هناك أكثر من قائمة متنافسة، وألا تكن القائمة مطلقة مغلقة، بل نسبية مقتوحة قدر المستطاع.
لا أحلق فى الفراغ وأعرف الواقع جيدا، وأعرف أن القائمة الموحدة تضم اتجاهات سياسية متعددة، وكنت أتمنى أن تكون أكثر تعبيرا، ليس فقط عن الواقع ولكن عما نتمنى أن نراه.
وحتى أكون واضحا، ولا يقوم البعض بتأويل كلامى، فلا ينبغى أن يكون هناك أى مكان فى المشهد السياسى المصرى الحالى أو المستقبلى للقوى الدينية الظلامية والمتطرفة، والتى تمارس العنف والإرهاب أو تشجع عليه بأى صورة، وكنت أتمنى أن يكون المشهد أكثر اتساعا للتعبير عن الدولة الحديثة التى نحلم بها بعد ٣٠ يونيو.
شخصيا أنا من المؤيدين لوجود مجلس الشيوخ، وأرى أنه قد يساعد فى فتح المجال العام، حتى ولو بنسبة قليلة، وأدرك تماما أننا لسنا فى السويد أو أمريكا أو بريطانيا، وبالتالى كنت أتمنى أن تكون صلاحياته أوسع وأشمل أو حتى مساوية لصلاحيات آخر مجلس شورى عام ٢٠١٣.
هناك واقع صعب فى مصر والمنطقة العربية بأكملها، والتحديات والتهديدات رهيبة، لكن هناك وجهة نظر تقول إن الانفتاح السياسى حتى لو كان محسوبا ومصحوبا بأكبر قدر من التوافق الوطنى، وهامش معتبر من الحريات، سيكون أفضل داعم لتعزيز قدرة الدولة المصرية على مواجهة أصعب ثلاثة تحديات تواجهها، وهى محاولات الهيمنة التركية على المنطقة، والبلطجة الإثيوبية على مياه النيل والإرهاب.
من الملاحظات المهمة، نجاح أجهزة الأمن المصرية فى المحافظة على الامن بصورة كاملة، وحينما تكون هناك لجان مفتوحة فى رفح والعريش والشيخ زويد، ويتمكن المرشحون من عمل الدعاية الخاصة بهم، ويستطيع الناخبون الوصول للجان بأمان، فتلك أكبر شهادة على الانحسار الملحوظ للإرهاب فى هذه المنطقة، بل وفى عموم مصر.
من الملاحظات المهمة والمستمرة أن النسبة الغالبة من المصوتين من السيدات وكبار السن، وأظن أن ذلك صار علامة مميزة لمعظم الاستحقاقات الانتخابية والدستورية منذ عام ٢٠١٣، وسيظل الجدل مستمرا بشأن مشاركة الشباب، وهل عادوا للتصويت، أم أنهم عازفون تماما أم فى مرحلة وسط؟!
حزبيا أتمنى أن تعيد الأحزاب النظر فى طريقة أدائها بشكل كامل، هى لا تزال أحزابا معلبة، أو نخبوية جدا، وأحيانا عائلية مغلقة مثل القوائم، وهناك حزب أو حزبان لديهما القدرة على الحشد النسبى من دون أن يكون لهم تاريخ سياسى كبير، عمليا لن يتمكن حزب من تحقيق الجماهيرية الفعلية إلا إذا نزل للناس فى الشوارع، وإلا إذا آمنت الدولة بتشجيعه، خصوصا أن وجود حياة حزبية حقيقية هى أفضل ضمان للحكومة والدولة والمجتمع بأكمله ضد أى عودة محتملة لقوى التطرف والإرهاب.
يقول البعض إن انتخابات الشيوخ هذه المرة مجرد بروفة للتجربة، وأتمنى أن يكون هذا الأمر صحيحا، وأن نتدارك كل هذه الملاحظات التى سنخرج بها من هذه الانتخابات، بل ومن تجربة السنوات الست الماضية فى انتخابات مجلس النواب المقبلة.
الدولة المصرية قوية جدا، رغم كل التهديدات الموجودة والمحيطة، وبالتالى أظن أنه حان الوقت لمزيد من الانفتاح السياسى ومزيد من إشراك قطاعات مختلفة من الناس، ومن القوى السياسية المدنية المعارضة، طالما أنها مؤمنة بالقانون والدستور والدولة المدنية، ولو حدث ذلك أظن أننا سنتمكن من استقطاب المزيد من العازفين عن السياسة خصوصا الشباب، والأهم سنتمكن من التقدم للأمام فى كل المجالات.
يبقى الحديث عن دور الوجوه الجديدة وكذلك رجال الأعمال الجدد، والسؤال الذى يطرحه البعض: هل نحن بصدد بناء نخبة جديدة فعلا أم ماذا؟!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved