أحوال كوفيدــ19 وتحوراته

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: السبت 14 أغسطس 2021 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلا يحمل توصيات وإرشادات علمية فى منتهى الأهمية للبلدان على المستوى الوطنى لمراقبة متحورات فيروس كورونا المستجد، يأتى ذلك مع التخوف والترقب من المتحور دلتا. وبحسب وثيقة منظمة الصحة العالمية، يمكن تصنيف المخاطر التى ستنتج على الصحة العامة للمتغيرات المعروفة والناشئة على نطاق واسع إلى عدة مستويات رئيسية:
1ــ زيادة قابلية الفيروس للانتشار بحيث يكون أشرس وأكثر قدرة على العدوى.
2ــ ظهور أعراض سريرية جديدة غير نمطية، وزيادة حدة الإصابة.
3ــ فشل التشخيص أحيانا بسبب انخفاض أو عدم دقة جودة بعض أدوات التشخيص المختبرية.
4ــ انخفاض فعالية المناعة الطبيعية أو المكتسبة من اللقاح: قدرة المتغير على التهرب جزئيا من الأجسام المضادة، وربما يزيد ذلك من احتمال الإصابة مرة أخرى أو عدم نجاح اللقاح.
وفى هذا السياق، بدأت بوادر الموجة الثانية من الوباء العالمى فى العام الماضى فى مصر فى شهر نوفمبر، واستمرت شهرين. وفى مصر قد تكون بدايات الموجة الرابعة على نفس نمط العام الماضى، أو قد تكون فى سبتمبر بحسب تقديرات وزارة الصحة المصرية التى صرحت بها أخيرا. ولكن هذه المرة يوجد فارق أساسى وحاسم عن العام الماضى وهو وجود حزمة متنوعة من اللقاحات توصلت إليها البشرية لمقاومة الآثار القاتلة للفيروس خاصة لكبار السن والفرق الصحية الأكثر عرضة للإصابة.
•••
ولكن تظل قضية عدم المساواة فى إتاحة هذه اللقاحات عالميا هى القضية المحورية خاصة بين البلدان المتقدمة الغنية والبلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل مما يعكس طبيعة النظام العالمى فى اللامساواة والرأسمالية ضيقة الأفق، ويعكس أيضا قوة المركز عالميا قياسا لضعف الأطراف الهشة خاصة فى إفريقيا وآسيا التى تشهد بعض بلدانها حاليا تصاعدا سريعا فى معدلات الانتشار ونسب الإصابات فى ظل عدم القدرة على توفير اللقاحات لمواطنيها.
ولذلك تظل مسألة المساواة فى توزيع اللقاحات وتوفيرها قضية جوهرية فى القضاء على توابع واستمرار هذا الوباء عالميا على المدى الطويل، وعمليا لا يمكن عزل مناطق بعينها عن العالم فى ظل تحول العالم فى كل الأحوال إلى قرية صغيرة. وخير مثال لذلك التقاء جميع الأمم فى طوكيو أخيرا، واتخاذ كل الإجراءات الاحترازية الممكنة؛ فقد التقت البشرية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وهذا المثال فقط كدليل لاستحالة عزل منطقة من العالم، وارتباط مصير جميع الدول بشكل أو بآخر ببعضها. والمثال الثانى هى المتحورات، فقد شاهدنا ظهور متحورات فى بلدان وانتقالها إلى جميع العالم.
ومن مظاهر عدم المساواة أيضا توفير لقاحات للنخب والأغنى عالميا، حتى بجرعات منشطة وإضافية. على سبيل المثال إعطاء جرعة ثالثة من لقاحات كورونا من جانب بعض الدول، فى تجاهل لتوصية الصحة العالمية التى دعت إلى توجيه اللقاحات للدول الفقيرة بدلا من إعطاء جرعة ثالثة. ويعكس قرار المضى قدما فى إعطاء الجرعات التنشيطية، على الرغم من تصريح رافض لذلك من منظمة الصحة العالمية، بشأن صعوبة القضاء على الجائحة ما لم يتم مواجهتها عالميا بروح تضامنية، يعكس ذلك لامساواة وقومية ضيقة الأفق وما بات يسمى الآن الأبارتهايد الصحى أو أبارتهايد اللقاحات.
ما يجب التنبيه له هو التحذير من الموجة الرابعة فى أطراف العالم الهشة، وخاصة فى إفريقيا، ونحن منها، فبعض البلدان الأفقر حصل سكانها على نسب من اللقاحات شديدة التواضع، لا تزيد على 5% من سكانها، فى حين تقوم بعض البلدان بإعطاء جرعة ثالثة. ولذلك، ربما تكون آثار الموجة القادمة أفدح على الدول الأكثر هشاشة على عكس البلدان الغنية المتقدمة والتى قامت بتطعيم ما يتجاوز 50% من سكانها وربما بجرعات منشطة إضافية.
•••
فى سياق حملة التطعيم الوطنية فى مصر، ومع التقدير لكل الإجراءات والخطوات المتخذة لحماية أرواح المواطنين، والتنسيق أخيرا مع الاتحاد الإفريقى لتوفير اللقاحات، وبمنتهى الصراحة، يجب إعادة النظر فى ملف لقاحات كوفيدــ19، ومراجعته مراجعة شاملة. هل بعد نحو 8 شهور وصلنا لما كان مستهدفا من الأصل؟ هل انتهينا من تطعيم الطواقم الطبية؟ وأين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من حملة التطعيم؟ هل تم اتخاذ تدابير خاصة للوصول لهم؟ ما هو موقف العاملين والعاملات بالقطاعات الأساسية والحيوية من حملة التطعيم؟
مصر لديها تاريخ قديم، وبرنامج تطعيمات إجبارية قوى وثابت، ولديها خبرات حقيقية فى إدارة حملات الصحة الكبرى واسعة النطاق، ولذلك كان من المتوقع تغطية نسبة أكبر بكثير من المواطنات والمواطنين مقارنة بالنسبة الحالية والتى لا تتجاوز الـ4% ويجب الإعلان بوضوح عن الكميات المتاحة فى البلاد فى اللحظة الحالية من اللقاحات.
وظهر أخيرا تحدى اشتراط الحصول على اللقاح للمسافرين للعمل أو الدراسة أو لأى غرض آخر للسفر للخارج، وهو أمر خارج عن إرادتنا ويعود إلى اللامساواة والتمييز على المستوى العالمى، وجوازات السفر الصحية انتقدتها منظمة الصحة العالمية أصلا، ولكن حيث إننا نواجه تحديا طارئا خارج عن إرادتنا، ولأهمية العمالة فى الخارج للاقتصاد القومى، من الضرورى توفير التطعيمات لهم، ولكن على أن تمضى بالتوازى معها حملة التطعيم القومية وفقا للأولويات الصحية، وأن يتم تنظيم جوازات السفر الصحية على سبيل المثال اشتراط الحصول على الفيزا أو عقد عمل، للحصول على اللقاح لأغراض السفر، بدلا من أن يكون الأمر غير منظم ونفقد مؤشر الأولوية الصحية للحصول على اللقاح.
•••
فى الخلاصة، مع توقع الدخول فى موجة رابعة، وفى ظل لا مساواة عالمية فى الوصول للقاحات وصراع للحصول على اللقاحات، وظهور تحديات طارئة كجوازات السفر الصحية، ومتغيرات موجودة وناشئة أكثر عدوى وأشرس، يجب العمل على مستويين رئيسين فى الوقت الحالى وهما حسن استغلال اللقاحات المتوفرة الانتهاء من تطعيم الأطقم الطبية وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وعمال القطاعات الأساسية لاحتواء المتوقع من الضغط على المستشفيات فى الموجة الرابعة، بالإضافة إلى ضمان سير حركة الاقتصاد.

خبير سياسات صحية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved