الثورة المصرية.. حلقات مسلسلة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى دراما إنسانية متفردة تتابعت حلقات الثورة المصرية والتى تفوقت على كل المسلسلات فى البلدان المجاورة كالعادة وسوف ألخص المسلسل كالتالى:

الحلقة الأولى بعنوان الامل: حضور المعدن الاصيل المتحضر للشعب المصرى: فى هذه الحلقة يخرج شباب مصر إلى الشارع وليس فى ذهنه أن يغير النظام الحاكم ورأى العالم فى ثمانية عشر يوما الهوية المصرية الحقيقية من رجال ونساء، بعد أن ظننا والعالم أن نساء مصر قد توارين فى بيوتهن نظرا للتشدد الدينى الذى تركه نظام مبارك يصول ويجول بطول البلاد وعرضها فى صفقة مفضوحة. رأينا مسلمين ومسيحيين بعد أن كاد المسيحيين يختفون خلف اسوار كنائسهم ولا يشاركون فى صنع مستقبل بلادهم، رأينا رجل الشارع العادى بجوار المثقفين فى منظومة رائعة بعد ان كاد المثقفون الحقيقيون يختفون جراء عملية التجريف التى جرت لمعظمهم على مدى اربعين عاما، ولقد كانت هذه الحلقة تعبر عن نضج وادراك وأمل فى المستقبل وتمنينا والعالم ان تكون الحلقة الاولى هى الأخيرة أى نحقق ما حدث فى الثمانية عشر يوما الاولى بميدان التحرير فى كل مصر لكن ليتها كانت كذلك.

●●●

  الحلقة الثانية: صعود الجانب المتخلف فى الشخصية المصرية: واقصد بالتخلف هنا عدم تمرس معظم الشعب المصرى على السياسة وبالتالى ضحالة الثقافة السياسية لديه مما أدى إلى تداعيات خطيرة فقد امسك الجيش بزمام الامور ولم تكن قياداته فى ذلك الوقت متمرسة سياسيا  واستعانوا بالتيار الدينى فسمحوا بقيام احزاب دينية، الامر الذى انقرض فى معظم بلدان العالم الحر، كذلك البدء بالانتخابات قبل الدستور مما أدى إلى الارتباك الشديد، ثم جاءت احداث ماسبيرو ومحمد محمود ورئاسة الوزراء ثم الاعلان الدستورى، وتلاه الاستفتاء العجيب فالذى يقول نعم يدخل الجنة والذى يقول لا مصيره الجحيم، وهنا برزت محدودية ادراك الشعب المصرى للعبة السياسية وتوارى الوجه الحضارى الذى تجلى فى الحلقة الاولى خلف الاكثرية التى ضغطت لوصول التيار الدينى للحكم خاصة بعد أن قدم التيار الدينى وجها ديمقراطيا مدنيا فى الوقت الذى فيه كان الحكم العسكرى مرفوضا، ولقد اكتشفنا فى هذه الحلقة أن معظم الذين يرددون تعبير الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة بدون استثناء انها مجرد لازمة لا يدرك معظمهم محتواها الحقيقى، فحق المواطنة لجميع المصريين جزء منها وكذلك الحرية الفردية  والفصل بين السلطات وحقوق الانسان وعدم التمييز بين البشر بسبب العرق أو الدين أو الجنس. لقد وضح فى هذه الحلقة نتيجة ظهور قيادات التيار الدينى على التليفزيون فى مواجهة الخبراء العسكريين والمثقفين المدنيين ان معظم هؤلاء لديهم تحفظات على الدولة المدنية لسبب أو آخر مما يدل على ان التجريف الثقافى قد أثمر فمنهم من يتحفظ على الدولة المدنية باسم الدين أو الاخلاق أو الهوية المصرية المحافظة وكل هذه الدعوات على كل المستويات ومن معظم الاطراف قدمت ايضاحا بأن هناك جانبا ثقافيا وحضاريا متخلفا قد ضرب فى جذور الشعب المصرى لسنين هذا عددها. 

●●●

 الحلقة الثالثة: الحكم الأيديولوجى وإقصاء الآخر: عندما وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم استبشر معظم المصريين خيرا لعدة اسباب منها ان الإخوان اناس متدينون لذلك لابد وانهم يتمتعون بفضائل جمة منها على الاقل الصدق فى القول والايفاء بالوعد والمساواة بين البشر وقبول الآخر المختلف وعدم اقصاء أحد لكن ما حدث كان امتدادا لهيمنة أيدولوجيات حكمت من قبل وشكلت ثقافة فى وجدان الشعب المصرى، فقد حكمت المجتمع المصرى وعلى أكثر من خمسين عاما منظومات ايدولوجية لم تكن ذات سمة ديمقراطية يغلب عليها الطابع الشمولى فى فكرها مما أدى بها إلى تبرير الاستبداد الذى ساد المجتمع وقد كانت خليطا من تلك الايدولوجيات الرافضة للآخر بدءا من قومية عربية إلى اشتراكية  اممية حتى الليبرالية طغى عليها ثقافة الطابع الإقصائى والاستئصالى للآخر المختلف ولم يكن حكم الاخوان سوى امتداد لنفس النظرية الايدولوجية الاقصائية بالإضافة إلى الديكتاتورية الدينية وقد حكموا مصر كطائفة ارادت ان تضع اعضاءها فى كل المواقع مثلها مثل الشيوعيين فى روسيا والعلويين فى سوريا والشيعة الاثنى عشرية فى إيران... إلخ،  بل بدا رئيس الجمهورية فى خطاباته وتحركاته وكأنه يتقمص شخصية عبدالناصر أو السادات أو مبارك وانتهت هذه الحلقة بحركة تمرد واندلاع ثورة أقصت الحكم.

●●●

الحلقة الرابعة: حريق مصر: عندما رفض رئيس الجمهورية مطالب الشعب سواء انتخابات مبكرة أو استفتاء على استمراره من عدمه تدخلت القوات المسلحة للمرة الثانية لكن هذه المرة حرصت على وضع خريطة طريق تنتقل من خلاله السلطة إلى حكم مدنى ديمقراطى حديث، لكننا فوجئنا بأن التهديدات  التى اطلقها الإخوان فى الانتخابات الاولى بأنه ان لم يفز مرشحهم للرئاسة فسيقومون بحرق مصر تتردد ثانية بمفردات أخرى مثل ان لم يعد الرئيس إلى كرسيه ستحرق مصر وقد حدث فى مصر ما لم يحدث فى تاريخها بدءا من قيام شاب ملتح يحمل علم القاعدة الاسود بإلقاء اطفال من على الاسطح، إلى محاولة تدمير سيناء مع حرق عدة كنائس بصورة لم تحدث من قبل فى تاريخ مصر بهدف انزلاق مصر إلى حرب أهلية لكنه لم يحدث ولن يحدث.

 لقد تحالف الغرب الأمريكى والأوروبى مع الاخوان المسلمين على اساس انهم التيار الدينى المعتدل الذى سوف يقوم بحل القضية الفلسطينية وساعتها لن يزايد أحد عليهم،  وهى نفس النظرية التى نجحت مع مناحم بيجن رئيس وزراء اسرائيل المتطرف عندما وقع على معاهدة كامب دافيد ولم يستطع احد ان يزايد عليه فإذا وقع الإخوان على معاهدة مع إسرائيل لحل القضية الفلسطينية حلا نهائيا بشروط مجحفة وعلى حساب سيناء فمن يستطيع الوقوف؟ لقد كشفت الحلقة قبل الاخيرة المستور. عزيزى القارئ ونحن فى انتظار الحلقة الاخيرة هل انت متفاءل ام متشائم؟ وهل انت متأهب لمواجهة أى نتيجة؟ لقد ملكنا مصيرنا ولن يفرض أى طرف نفسه على الشعب وهذا يكفينا.

 

أستاذ مقارنة الأديان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved