بلطجية أبو الفدا

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 14 سبتمبر 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

مساء الخميس، ليل/خارجى. المشهد فى شارع أبو الفدا بالزمالك غارق فى ظلام دامس. انطفأت عواميد النور جميعا، فلا تستطيع تبين موضع قدمك أو المكان الذى تركت فيه سيارتك. وعندما وجدتها، بعد تنشيط سريع للذاكرة، اكتشفت أن سيارة أخرى وقفت صفا ثانيا وأننى لا أستطيع المغادرة إذ لم يترك سائقها فرامل اليد، وبالتالى هى لا تتزحزح. بسؤال الشخص الذى يلبس صديرى فسفورى، على اعتباره المكلف بصف السيارات وتأمينها، كما جرت العادة، اتضح أنه لا يعرف شيئا عن صاحب العربة الذى ذهب لقضاء سهرته، أو هكذا قال: لم يترك لى المفتاح واتجه لمحل الوجبات السريعة فى الجوار (بالطبع لم يكن هناك). الموضوع لا يعنيه فقد تركت أنا سيارتى إلى جانب الرصيف قبل أن يأتى، وهو يعمل فى ساعات الليل فقط، عندما يكتظ الشارع برواد المقاهى والمطاعم، فى مثل هذه الليلة المباركة ذات الرزق الوفير.

•••

وقفنا بداية حوالى نصف الساعة فى هدوء، ثلاث سيدات فى انتظار أن يأتى السيد «جودو»، الذى ذهب للسهر.. وبالطبع لم يأت «جودو» أبدا، ولم يحاول «صاحب الرصيف» أن يبحث عن السيد المنتظر أو يساعدنا، فالمهم أنه أخذ ما يرضيه منه قبل أن ينطلق إلى حال سبيله، وعلينا نحن تدبر أمرنا.. قطعا هذا لا يعنيه، وهو المنشغل بالجرى وراء العربات التى تضيء كشافاتها إيذانا بالرحيل وملاحقتها لدفع اللازم، الذى لا نعلم من الذى ألزمه.. لأننا بعد مرور حوالى ساعتين عرفنا أن «الشخص الذى يلبس الصديرى» لا يتبع أى من المحال والمطاعم الموجودة وأن «عادل» ورفاقه على باب الله.. وأن الصديرى الفوسفورى ليس زيا موحدا يدل على أن حامله يعمل لحساب جهة ما كما يبدو ــ بل «أكسسوار» وزعته عليهم المحافظة لكى يبدوا أكثر أناقة أو بمظهر يليق بحى الزمالك، بغض النظر عن أمانتهم وكفاءتهم.

حتى الآن تظل الرواية عادية ومتكررة فى إطار فوضى القاهرة، وقد يذكر البعض أشياء أكثر صعوبة حصلت معهم بالفعل، منها مثلا ما حدث لصديقة تركت مفتاح سيارتها بعدها بأيام قليلة فى الشارع نفسه، أمام المطعم نفسه، وربما للرجل أبو صديرى نفسه، ولم تتمكن من استرجاع المفتاح والسيارة بعدها... لأننا نتعامل مع أصحاب الرصيف على أنهم شر لابد منه أو ضرورة بسبب الزحام وعدم وجود أماكن لانتظار السيارات، لكن المفجع (وإن كان متوقعا) كان سلوك أمين الشرطة، الذى ظهر بعد عناء وبحث وطول انتظار.. فما الذى يمكن أن يفعله أى مواطن أمام سائق لا يبالى، و«منادى» سيارات لا يعرف أصول الكار، سوى أن يتطلع إلى وصول رجل الأمن، المنقذ بملابسه البيضاء واللاسلكى فى يده تنبعث منه أصوات الزملاء المنتشرين فى كل مكان؟ وهكذا كان.. طلبنا من الشرطى مثلا أن يطلب «الونش» المكلف بسحب السيارات المخالفة.. وهو لم يمر على مدى ساعتين أو أكثر، رغم أن العربات قد وصلت إلى ثلاثة صفوف، بل وسدت الشارع فى مرحلة ما.. أجاب: الونش لكوبرى 6 أكتوبر فقط!!! على أساس أننا عندما نراه يسحب ترخيصات البعض أو سياراتهم المخالفة يكون ذلك مجرد خيالات وأوهام لدى مواطنين سذج! أو بالأحرى مواطنات مزعجات ناقصات عقل ودين.. فقد تعامل على هذا الأساس، كما يفعل معظم زملائه، أحيانا حتى فى حالات التحرش.. استهانة واستباحة ولا مبالاة، بل وتواطأ... لأن العسكرى يعرف «أصحاب الرصيف» بالاسم، وغالبا يتقاسم معهم، ما يجعله فاقدا لأى هيبة أو قيمة. وجوده لا يتسبب فى اضطراب لهم، ولا طمأنينة لنا، بل هو يرد أحيانا بدلا منهم ويبرر أفعالهم.

•••

ذهب إلى غير رجعة دور الحكم بين الأطراف أو ممثل السلطة التنفيذية، وتحول الشرطى إلى جزء من فريق «البلطجية» و«الأرزقية» ومن لا صفة لهم، ولا داعى لوجودهم من الأساس. ويتعجب بعض المسئولين كيف ضاعت هيبة الشرطة، ولماذا لم تتمكن وحدها من فض تجمعات الباعة الجائلين الذين استولوا على الشارع بدون وجه حق؟ أو لماذا تزداد حالات التحرش بالمرأة يوما بعد يوم؟ ولماذا لا يتعاطف الناس دوما مع الأخطار التى يتعرض لها رجالات الأمن؟ ولماذا يتهكم البعض على مقولة: الشرطة فى خدمة الشعب! أى شرطة وأى شعب! ونحن متأكدون أن من يتعامل مع الجمهور بمثل هذه البلادة لا يعاقب، بل يظل حرا طليقا فى الشوارع.. يتكسب من هنا ومن هناك، طالما الدولة لا تعطيه ما يكفيه، وطالما لا يتم تدريبه أو الاستغناء عن خدماته.. وللأسف هو يتلقى مرتبه من أموال دافعى الضرائب ويعتبر رمزا لهيبة الدولة!

ساعتها مع وصولى درجة اليأس من إمكانية تحسن مستوى الأداء، بدأت الأفكار الشريرة تروادنى... جاء على بالى مثلا عنوان رواية السورى خالد خليفة «لا سكاكين فى مطبخ هذه المدينة»، ثم تخيلت أننى أنطلق بسيارتى وبعدها يأتى من يرمى بقنبلة يدوية بدائية الصنع لينفجر الشرطى وصاحب الصديرى الفسفورى وعربة السائق المستهتر.. وددت لو أرى بعينى فى المرآة الأشلاء وهى تطاير فى الهواء، خاصة الصديرى الفسفورى وجهاز اللاسلكى، والسيارة التى عطلتنى وقد اشتعلت لتنير شارع أبو الفدا المعتم... أما الصديقة الأجنبية التى كانت بصحبتى، فقد تملكتها رغبة عارمة فى تكسير زجاج السيارة الأخرى، وإن لم تفعل. فى غياب العدل والنظام، يكون العنف والنزعة الانتقامية هما الحل، حتى لو فى خيال المواطن والمواطنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved