عشش وقصور فى الصعيد

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 14 سبتمبر 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

قضيت ثلاثة أيام فى الصعيد خلال إجازة عيد الأضحى الأخيرة.

وفى السطور التالية وصف سريع لبعض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى لحقت بالكثيرين فى الشهور الأخيرة، من خلال رؤية على أرض الواقع، ومقابلة نماذج مختلفة من المواطنين.
هذا مجرد وصف أقرب للانطباعات الشخصية منه إلى البيانات أو الحقائق العلمية، الغرض منه ليس الادعاء بأنه وقائع ثابتة، بل التنبيه لضرورة المراجعة، فربما يمكن علاج بعض الثغرات.
الانطباع الأول أن التطورات الاقتصادية الأخيرة خصوصا تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود، وبالتالى ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات،أحدث ما يشبه الزلزال فى القرى المصرية.
رائحة الفقر يمكن أن نشمها عند سكان الأكواخ والعشش، والمنازل البسيطة، والشعبية والعشوائية، الذين دهسهم قطار الفقر المنطلق بأقصى سرعة، ورائحة البذخ والسفه يمكن رؤيتها، لدى قلة استفادت من التغيرات، وقفزت ثرواتها بصورة خرافية، وتعيش فى قصور فارهة.

عند الفقراء فإن «الورقة المالية فئة خمسين قرشا لها قيمة كبيرة، لأنها يمكن أن تشترى عشرة أرغفة من الخبز المدعم، الذى يمكن تناوله حتى من دون «غموس».

أمنية هذه الفئة أن تحصل على معاش تكافل وكرامة، لتضمن الحد الأدنى الذى يبقيها على قيد الحياة، جزء كبير من هؤلاء لا يزال يعيش على المساعدات، التى يتلقاها من «فاعلى الخير» وبعض الجمعيات الخيرية، التى لعبت دورا مهما وتسد عجزا كبيرا كانت تلعبه الجمعيات المملوكة لجماعة الإخوان والتى تم حلها أو تجميد أموالها.

بجانب هذه الفئة الفقيرة جدا، هناك فئة الموظفين، الذين يواجهون ظروفا صعبة للغاية، لأن رواتبهم تعرضت للتخفيض الكبير، بعد قرار تعويم الجنيه. ما يخفف قليلا من بؤسهم أن معظمهم يعيشون فى بيوت تمليك، وبعضهم يملك بعض الأراضى الزراعية، التى تجعله يأمن غدر الأيام.
والموظف الذى لا يملك إلا راتبه، صار يبحث بلا كلل أو ملل عن وظيفة أخرى بعد الظهر أو ليلا ليدبر بعض نفقاته.

أما الفئة المستريحة إلى حد ما، فهم ملاك الأراضى الزراعية التى ارتفعت قيمتها بصورة كبيرة مؤخرا، كما ارتفعت أسعار المحاصيل خصوصا النقدية مثل العدس والفول والذرة والخضراوات والفواكه.

والأكثر حظا هم الذين يملكون أراضى دخلت فى كردون المبانى، ومن يملك فقط ثلاثة قراريط داخل الكردون فقد دخل فى فئة المليونيرات. وإذا أسعده الحظ وكان لديه قطعة أرض صغيرة جدا فى أحد الشوارع الرئيسية بالقوصية أو أسيوط مثلا فإن سعر المتر، قد قفز إلى أكثر من ٣٥ ألف جنيه «نعم ٣٥ ألف جنيه» يعنى أغلى من أى سعر للمتر فى العديد من المناطق الراقية بالقاهرة.

أما الطبقة الجديدة والخطيرة فهى تلك التى صارت تملك أموالا طائلة فى السنوات الأخيرة، ومصادر أموالها جاءت من مصادر لم تكن معروفة إلى حد كبير فى الماضى، أبرزها عمليات وضع اليد على أراضى الدولة فى الظهير الصحراوى الغربى، وهى أراضٍ ارتفع ثمنها مع الفترات الأخيرة.

بعد ذلك تجىء تجارة الآثار وهى تنشط بصورة ملحوظة فى معظم مناطق الصعيد الآن، وصار خبرا مكررا انهيار منزل لأن أصحابه بدأوا الحفر تحته أملا فى الحصول على الكنز الموعود.
المظهر الثالث هو تجارة الأسلحة ومصدرها الرئيسى بالطبع هو ليبيا، يذهب البعض بسيارات محملة بالخضراوات والفاكهة، ثم يعودون بحمولة سلاح، ومن يفلت من أيدى الأمن فقد ضمن ثرورة كبيرة.

إضافة بالطبع إلى تجارة المخدرات التى تشهد ازدهارا فى الصعيد، وتحتاج لوقفة حاسمة من الشرطة، وسمعت أن الفتيات دخلن عملية توزيع المخدرات فى بعض قرى الصعيد وأتمنى أن يكون ذلك غير صحيح.

الذين اغتنوا من تجارة السلاح والآثار والمخدرات صار لديهم قصور فارهة لا يمكن تخيل وجودها فى الصعيد، حدائق غناء متسعة وحمامات سباحة على أحدث مستوى ومبان بأحدث أنواع القيشانى والسيراميك والرخام والأخشاب المستوردة من أوروبا.

هذا الموزاييك داخل قرى الصعيد ليس عامل صحة، بل مؤشر خطيرعلى تزايد الفوارق بين الطبقات، بما ينذر بقلاقل اجتماعية تحتاج معالجات سريعة وحاسمة، قبل أن تستفحل وتتحول إلى أورام سرطانية لا يمكن استئصالها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved