عن الغاز الذى صار متوفرا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2019 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

قبل أيام سمعت هذه القصة من الدكتور أحمد هيكل رئيس مجلس ادارة شركة القلعة، التى تساهم مع الحكومة المصرية وشركاء اخرين فى المشروع الاستراتيجى الكبير وهو معمل تكرير البترول فى مسطرد.
مسئولو المعمل فوجئوا بأن المازوت يتراكم، وهيئة البترول لا تقوم بسحبه طبقا لما هو متعارف عليه. والسبب ببساطة أن الهيئة أعطت تعليمات لشركة الكهرباء المجاورة أن تستخدم الغاز وليس المازوت.
قد يسأل البعض ولماذا حدث ذلك وماذا يعنى؟!
شركات الكهرباء تعودت أن تعمل بالمازوت لأنه أرخص من الغاز، ومعمل البترول يقوم بإنتاج المازوت الذى تستخدمه محطة الكهرباء، بدلا من الغاز الاغلى سعرا، لكن الأخيرة وبناء على تعليمات الهيئة قررت استخدام الغاز بسبب وجود ضغط عال منه، ولا بد من ضخه فورا.
لم أكن أفهم مغزى القصة فى البداية، لكن الدكتور أحمد هيكل شرحها لى مرة ثانية. وبعدها أدركت أنه صار لدينا والحمد لله كميات ضخمة من الغاز الطبيعى، للدرجة التى تجعل هيئة البترول تطلب من شركات الكهرباء استخدام الغاز الأغلى بدلا من المازوت الأرخص، لتشغيلها لوجود فائض من الغاز، بعد ان عانينا لسنوات طويلة من شح الغاز اللازم لتشغيل المصانع المختلفة ومحطات توليد الكهرباء.
لمن لا يدرك أهمية ما حدث عليه أن يعود بالذاكرة لسنوات قليلة مضت، وخصوصا قبل اكتشاف حقل ظهر الاستراتيجى ومعه العديد من حقول الغاز الأخرى.
قبل هذه الاكتشافات، لم نكن نملك غازا يكفى اساسا لتشغيل محطات الكهرباء، نتذكر جميعا أن الكهرباء كانت تقطع باستمرار، بل إن قرى كانت الكهرباء تعمل بها يوما وتنقطع يوما آخر وهكذا.
أصحاب المصانع كانوا يتوقفون عن العمل كثيرا لعدم وجود الغاز أو أى نوع من الوقود لتشغيل المصانع، وبعضهم كان يلجأ للتشغيل عدد ساعات أقل، وليس بكامل الطاقة لعدم وجود الغاز الكافى.
مستثمرون أجانب كانوا يودون الاستثمار فى مصر، لكنهم فوجئوا بأنه لا يوجد غاز لتشغيل هذه المصانع، فتوقفت هذه الأفكار وقتلت فى مهدها.
القصص فى هذا الشأن كثيرة، ومتنوعة، ودفع الاقتصاد القومى ثمنا فادحا بسببها، حتى حدث التحول الكبير بعد الاكتشافات، ووصلنا إلى حالة نضطر فيها إلى تصريف كميات من الغاز لتشغيل المصانع بدلا من المازوت لأن اماكن التخزين صارت ممتلئة!!
موضوع الغاز قصة نجاح مصرية كاملة شارك فيها كثيرون، لكن لا ننسى دور المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء السابق، فهو صاحب بشارة حقل ظهر حينما كان وزيرا للبترول. وذات مرة حكى الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما دخل عليه شريف اسماعيل ليبشره بالاكتشاف المهم، ولا يمكن أن ننسى دور وزير البترول الحالى المهندس طارق الملا ودوره فى تطوير الحقل وبقية الحقول، ولا يمكن إغفال الدور الأكبر للرئيس السيسى الذى سهل كل التعقيدات أمام المستثمرين الأجانب خصوصا فى شركتى إينى الإيطالية وبى بى البريطانية.
والتقى كبار المسئولين فيهما، خصوصا شركة اينى عدة مرات وكانت النتيجة بدء الإنتاج قبل المواعيد المحددة. حتى وصلنا إلى المستوى الراهن الذى يعتبر الأفضل، منذ سنوات طويلة، وصار أى مصنع أو شركة خاصة تستطيع الحصول على أى كميات من الغاز تحتاجها لمشروعاتها الجديدة، أو التوسعات فى مشروعات قديمة وقائمة، إضافة لتلبية احتياجات شركات توليد الكهرباء بحيث وصلنا إلى وجود فائض كبير فى هذا الإنتاج.
وزارة البترول اعلنت فى اواخر يونيه الماضى عن أن إنتاج مصر من الثروة البترولية ارتفع إلى معدلات غير مسبوقة وخاصة الغاز الطبيعى الذى ارتفع إلى أعلى معدلاته، ليبلغ إجمالى الإنتاج الحالى من الغاز الطبيعى نحو 6.8 مليار قدم مكعب يوميا. وتم تنفيذ 31 مشروعا فى هذا المجال على مدى السنوات الخمس الماضية باستثمارات 4ر21 مليار دولار وبإجمالى معدلات إنتاج 9ر6 مليار قدم مكعب غاز، منها ٢، ٧ مليار قدم مكعب من حقل ظهر فقط. وتحقق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى المنتج محليا بنهاية شهر سبتمبر الماضى، بفضل تزايد الإنتاج، وهو ما أدى إلى التوقف عن استيراد الغاز الطبيعى المسال، لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات، وبالتالى ترشيد استخدام النقد الأجنبى الموجه للاستيراد. وهكذا تحولت مصر من دولة مستوردة للغاز الطبيعى المسال إلى دولة مكتفية ذاتيا، وتمتلك فائضا منه، وقادرة على الوفاء بالتزاماتها التصديرية.
ما حدث فى انتاج الغاز قصة نجاح مصرية يستحق كل من ساهم فيها الشكر والتقدير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved