هل تندلع حروب بسبب مياه النيل؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

نشر مركز ستراتفور الأمريكى للدراسات الاستراتيجية والأمنية مقالا تحليليا، للمحلل السياسى روبرت كابلان، عن أزمة سد النهضة والنزاع على مياه نهر النيل بين مصر وإثيوبيا. أشار كابلان فى بداية المقال إلى أنه فى القرن الحادى والعشرين، يمكن أن تبرز المياه كسلعة أغلى من البترول. ومع ارتفاع عدد السكان، وإن كان بمعدل أبطأ مما كان عليه فى القرن الماضى، يصبح الماء موردا أكثر قيمة وأهمية. وينطبق ذلك بصفة خاصة عندما ينذر تغير المناخ، بالجفاف فى أماكن كثيرة. وقد لا تحدث حروب بسبب المياه. لكن المياه، يمكن أن تصبح عاملا مهما، وفى الوقت نفسه عائقا فى الجغرافيا السياسية. ويعتبر التوتر المتزايد فى السنوات القليلة الماضية بين مصر وإثيوبيا بشأن استخدام نهر النيل، مثلا بارزا فى هذا السياق.

ويتميز هذان البلدان بالتكدس السكانى والفقر الشديد. حيث يبلغ عدد سكان إثيوبيا 92 مليون نسمة ومصر 81 مليونا. وتعتمد مصر، دولة المصب، على تدفق النيل الأبيض من أوغندا وجنوب السودان والسودان، وعلى تدفق النيل الأزرق من إثيوبيا والسودان. ويلتقى النهران، الأبيض والأزرق، خارج العاصمة السودانية الخرطوم. لكن هناك خللا كبيرا: 85 فى المائة من مياه النيل المتدفقة إلى مصر تأتى من النيل الأزرق سريع الجريان فى إثيوبيا. وتمضى إثيوبيا، بمساعدة الصين، فى عملية بناء سد النهضة الكبرى، مشروع الطاقة الكهرومائية الضخم، فى شمال غرب البلاد قرب السودان. وتأمل إثيوبيا فى إنهاء المشروع أواخر هذا العقد. سوف يكون لدى سد النهضة، عند انتهاء العمل به، القدرة على تخزين مقدار سنة واحدة من التدفق ــ وهو كمية المياه التى تتدفق فى سنة معينة بعد النقطة التى يقع السد قربها. وهو ما يمكن أن يقلل بشكل كبير من كمية مياه النيل المتدفقة شمالا، وتحتاج إليها مصر من أجل كل من الرى والشرب.

•••

وأوضح الكاتب أن الوضع معقد. فسد إثيوبيا الجديد سيكون قادرا على توليد الكهرباء من خلال تحويل المياه، بينما يسمح لها بالتدفق فى نهاية المطاف الشمالى إلى مصر. وهذا بالضرورة لن يضر مصر كثيرا. ولكن إذا قررت إثيوبيا فى أى وقت عرقلة تدفق النيل بحيث يمكن استخدام المياه لأغراض الزراعة أو الشرب، عندها يمكن أن تضر مصر حقا. وكانت هناك سياسات مكثفة مستمرة بخصوص المياه بين هاتين الدولتين الفقيرتين. وهناك حل ممكن من الناحية التقنية إذا أمكن التنسيق بين عمليات سد النهضة الإثيوبى وعمليات السد العالى فى مصر، والتى يمكنها أيضا تخزين مقدار السنة من المياه.

وقد توصلت مصر وإثيوبيا مؤخرا إلى اتفاق يسمح بإدخال شركة استشارية مستقلة لوضع توصيات ملزمة بشأن استخدام المياه بين البلدين. وتبدو هذه لفتة تصالحية من قبل إثيوبيا. لكن التوترات والتهديدات المبطنة التى تواكبها لا تزال قائمة.

•••

ويرى كابلان أن مصر عسكريا أقوى من إثيوبيا. ولكن الخيار العسكرى المصرى ضد سد النهضة الكبرى يمثل إشكالية. حيث كان على مصر أن تقصف السد قبل اكتمال البناء لمنع كارثة بيئية وبشرية فى كل من إثيوبيا والسودان. كما يتطلب قصف سد النهضة أيضا أن تضمن مصر تعاون السودان من أجل استخدام قواعده الجوية للتزود بالوقود. وبالنظر إلى أن مصر يحكمها نظام عسكرى علمانى التوجه والسودان يتفق بشكل أو بآخر مع آراء جماعة الإخوان المسلمين، فمن غير المرجح مثل هذا المستوى من التعاون. وهناك مشكلة أخرى هى أن كلا من النظامين فى مصر والسودان يركز فى الوقت الحاضر على المشكلات الداخلية الساحقة. حيث ينشغل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى بتحسين الاقتصاد المصرى من أجل الحفاظ على بقائه فى السلطة، فضلا عن القضاء على المقاومة الإسلامية لحكمه. كما ينشغل الرئيس السودانى عمر البشير بترتيب انتقال الحكم بعد ربع قرن فى السلطة، والتعامل مع دولة معادية جديدة فى جنوب السودان. وكان السودان، تاريخيا، جزءا من مجال النفوذ المصرى. ولكن ذلك تراجع الآن مقارنة بعصور أخرى. لذا لا يرغب أى من البلدين فى خلق أزمة حول المياه فى هذه المرحلة، وتعتبر إثيوبيا فى موقف أقوى من مصر، بشكل ما. فحتى لو توصل البلدان إلى اتفاق دائم بشأن استخدام مياه النيل، فإن وجود سد النهضة الجديد يوفر لإثيوبيا نفوذا كبيرا لم يكن لديها من قبل ــ لأنه إذا حدث وانهار مثل هذا الاتفاق فى أى وقت، ستحتفظ إثيوبيا بالقدرة على تحويل أو تعطيل كميات هائلة من مياه النيل الأزرق. وفى النهاية، لا تزال إثيوبيا دولة المنبع ومصر بلد المصب. وبالتالى، يصبح سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا كشركة جازبروم لروسيا: أداة الانتقام من البلدان أو البلد الذى لا يتوافق مع رغباتها. ومرة أخرى، يمكن لتغير المناخ أن يجعل كل هذا أكثر دراماتيكية.

كما تبرز إثيوبيا ببطء كدولة قوية، وقوة إقليمية من بعض الجوانب. حيث تضمن الطرق والسكك الحديدية التى تربط إثيوبيا مع جيبوتى ميناء صالحا للاستخدام عند التقاء البحر الأحمر والمحيط الهندى. وعلاوة على ذلك، فإن التركيبة العرقية والقبلية المتنوعة للغاية فى إثيوبيا تتطلب شكلا من أشكال الحكم الامبراطورى القوى من العاصمة أديس أبابا، والتى يحتمل أن يساعد على استقرار الحكومة المركزية. ومن ناحية أخرى، تعانى مصر من المتشددين الإسلاميين فى وادى النيل، وكذلك فى قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. وربما كانت فكرة فقدان مصر السيطرة الفعالة على سيناء تبدو مستحيلة قبل عقد من الزمان ــ ولكنها لم تعد كذلك.

•••

واختتم كابلان مقاله مشيرا إلى أن شمال شرق أفريقيا لا تشغل اهتمام الأخبار، وعلى الرغم من ذلك فهى تمثل صورة مصغرة للعالم اليوم. وقد تسببت العوامل البيئية، فى تفاقم الظروف السياسية أو فى تعقيدها على الأقل. ولم تتوقع أيا من الولايات المتحدة ولا روسيا نفس المستوى من النفوذ فى المنطقة الذى كان لأمريكا والاتحاد السوفييتى أثناء الحرب الباردة. وصار الصينيون (الذين يبنون سد النهضة) لاعبا جديدا فى الدراما؛ والنتيجة هى مزيد من التوتر، مع عدم استبعاد احتمال نشوب حرب المياه بين الدول. ويضيف الكاتب قائلا؛ فى الماضى، كانت الولايات المتحدة، كحليف تاريخى قوى لكل من مصر وإثيوبيا يمكنها بالفعل تسوية القضية من خلال دبلوماسية الخبراء التى تدار فى وزارة الخارجية فى واشنطن. وما زال من الممكن أن يحدث ذلك إذا كان من المتوقع تفاقم التوترات بشأن السد الجديد، على الرغم من تعيين فريق خبراء من طرف ثالث. ولكن على الأرجح، أن مصر وإثيوبيا سوف تعتمدان الآن على نفسيهما. فسوف تضطر مصر إلى إجراء تحسين كبير فى كفاءة استخدام المياه المتاحة، وسوف تضطر إثيوبيا على المدى الطويل أن تحسب تماما إلى أى مدى يمكن أن تضغط على مصر حول هذه القضية. فى أى حال، سوف يكون وادى النيل على نحو متزايد معملا لكشف تأثير البيئة الطبيعية على الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية. وينبغى أن يكون النيل مشاركة، وإلا ستكون النتائج كارثية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved