غاضبون على السيسى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 - 7:40 ص بتوقيت القاهرة

الغاضبون على السيسى يرون أننا على بعد أمتار من عودة الدولة البوليسية التى أسقطناها فى 25 يناير 2011 بعد أن استقرت فى وجداننا الجمعى كمصريين جيلا وراء جيل طوال قرون عديدة، باعتبارها أحد مسلمات حياتنا السياسية، والضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار الاجتماعى، وأننا على وشك استنساخ دولة تشبه دولة الإخوان الفاشية التى أسقطناها أيضا فى 30 يونيو والتى كشفت عن وجهها القبيح فى العديد من السياسات، كان على رأسها إعلان مرسى الدستورى الذى أعطاه صلاحيات نصف إله، ولم تسمح موازين القوى لجماعته آنذاك بتطبيقه كما كانوا يخططون.

هؤلاء الغاضبون يستشهدون على صحة وجهة نظرهم بالعديد من القوانين والإجراءات التى تم اتخاذها مؤخرا، منها التوسع غير المبرر فى استخدام قانون التظاهر لحبس مئات إن لم يكن آلاف الناشطين السياسيين والحقوقيين، وإصدار قوانين تسمح بفصل أساتذة وطلاب الجامعات بقرارات من رئيس الجامعة، وتجنيد طلاب للتجسس على زملائهم المشاغبين، ومنع السياسة فى الجامعات وكذلك منع تكوين الأسر الطلابية.

تخوفات هؤلاء الغاضبين تنطلق أيضا من رفض السلطة إعلان موعد محدد لإجراء انتخابات البرلمان، وإصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، ومحاولة استنساخ برلمان على مقاس الحكم الجديد بلا أنياب ولا أظافر، مع انطلاق دعوات غامضة تطالب بتعديل الدستور وإعطاء صلاحيات أكبر للرئيس عبدالفتاح السيسى، إضافة إلى تفضيل السلطة الحلول الأمنية لمواجهة الاحتجاجات العمالية والفئوية، رغم سرعتها الصاروخية فى استصدار قوانين يصفونها بالقمعية، كقانون التظاهر مثلا..!

قد تكون هناك مبررات تبدو منطقية لهذا الغضب، وقد تكون هناك أسباب حقيقية لإحساس الكثيرين بأننا ابتعدنا كثيرا عن أهداف ثورة يناير فى الحرية والعدالة الاجتماعية، لكننا فى نفس الوقت لابد أن نعترف بأن المؤسسة العسكرية كانت هى القوى الوحيدة التى استطاعت الوقوف مع التحركات الشعبية لإسقاط حكم الإخوان، وأنه لولا تدخل السيسى شخصيا ولولا الدور الذى لعبه الرجل لكنا فعلا غارقين حتى آذاننا فى مستنقع الحرب الأهلية، أو على أقل تقدير لكنا دول فاشلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

علينا أيضا أن نعترف بأن التراث القمعى الطويل الذى يمتد منذ حكم عبدالناصر، أضعف الأحزاب السياسية، وأصاب القوى المدنية بالهزال، وأن الطريق بعد 25 يناير كان مفتوحا أمام مافيا الإخوان للسيطرة ليس فقط على مفاصل الدولة بل على الدولة نفسها، وأنه لولا ثورة يونيو لكانت مافيا الإخوان قد قطعت أشواطا طويلة فى السيطرة على مؤسستى الشرطة والجيش، ولنجحوا فى وضع الدولة كلها فى جيبهم الصغير، فى غضون عدة سنوات!

ومع ذلك، فإن دور السيسى فى مواجهة مافيا الإخوان لا يعطيه شيكا على بياض ليحدد وحده خطواتنا السياسى القادمة، فمعركته الحقيقية لا تقتصر على إقامة مشاريع قومية كبرى، أو إجراء إصلاحات إقتصادية على الموازنة، لكنها فى المقام الأول بناء نظام ديمقراطى حقيقى، وبناء دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق وحريات المواطنين..فليس بالخبز وحده يحيا المصريون، ولكن ببرلمان قوى وانتخابات نزيهة وبقضاء مستقل.. وأيضا بمظاهرات يكفلها القانون وتحميها الشرطة، حتى لو كانت تطالب بإسقاط السيسى شخصيا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved