عاشوراء.. بين السنة والشيعة واليهود

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 14 أكتوبر 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

•دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسأل عن السبب فقالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين وأهلك فرعون وجنوده الظالمين ، لم يقل الرسول يومها: ما شأننا وشأن اليهود، وما لنا بموسى ونجاته وفرعون وغرقه، وهذه أمم خلت من قبل، وهذا نصر لنبى آخر وأمة غير أمتنا.

•ولكنه اعتبر أن هذا اليوم بمثابة عيد ونصر للمسلمين كما هو عيد لبنى إسرائيل، لأن الحق جمعهما فى هذه النقطة، فأمر بصيام عاشوراء وزاد عليه صوم يوم قبله أو بعده لتتميز شريعته وتزيد فضلا عن شريعة بنى إسرائيل.

•يوم نصر موسى يوم عز وفرحة وعيد لكل محبى الحق من أتباع موسى أو عيسى أو محمد، فالرسل تتكامل وتتعاون وتتآزر، والأمم الصالحة تفرح بنصرة الحق وزهق الباطل عند بعضها البعض فى أى زمان ومكان.

•يوم عاشوراء يوم من أيام الله، والقرآن أمرنا بأن نتذكر ونذكر بأيام الله«وَذَكِرْهُم بِأَيَامِ اللَهِ» فهو ذكرى جميلة لنصر عزيز لنبى كريم من أولى العزم من الرسل موسى بن عمران عليه السلام ولأمة بنى إسرائيل من أتباعه التى حملت لواء الحق فترة من الزمن حتى حاد أغلبها عن الحق والخير فقتلت الأنبياء والمرسلين، فنشرت بالمنشار زكريا، وذبحت السيد الحصور يحيى، وحاولت قتل عيسى عليه السلام، وكذبت محمد «ص» وانحازت إلى مشركى قريش الوثنيين رغم أن أمة بنى إسرائيل هى التى حملت لواء التوحيد والهداية فترة طويلة من الزمان وكان ينبغى عليها أن تناصر النبى محمد «ص» الذى يرفع نفس اللواء، ولكن الهوى حملها على عداوته.

•الأمر النبوى بصيام تاسوعاء وعاشوراء هو تدشين عبقرى من نبى الإسلام العظيم يلزم المسلمين حتى قيام الساعة بالاحتفال بهذا النصر وتذكره ومتابعته وعدم نسيانه.

•ثم سار الزمان مسيرته وإذا بالحسين سيد شباب أهل الجنة يقتل ظلما وبغيا فى يوم عاشوراء أيضا، وإذا ببعض الشيعة يحولون يوم الفرح بموسى ونجاته ومن معه إلى يوم حزن وألم ولطم وجرح البعض لأنفسهم فى سابقة فريدة لم تحدث فى تاريخ الإسلام.

•وبعض متطرفى الشيعة يتخذ من هذا اليوم العظيم كل عام منطلقا وحافزا للصراع الطائفى مع السنة، وكأن السنة فى زماننا هم الذين قتلوا الحسين، أو رضوا عن ذلك أو أقروه، ويصورون لأنفسهم أنهم يحبون الحسين أكثر من أهل السنة، ويختصرون الصحابة جميعا فى الحسين«رضى الله عنهم جميعا»، فقد قتل من قبل حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله وهو أعلى مكانة من الحسين، وقتل عشرات الصحابة تحت التعذيب مثل ياسر وزوجته وغيرهما، ولم يفعل أحد من الصالحين أو أئمة الدين مثل هذا اللطم وجرح الأنفس حزنا على هؤلاء.

•إننى أناشد المراجع الشيعية العاقلة الكبرى أن تقف موقفا حازما وجادا من تحويل ذكرى عاشوراء من فرح ونصر إلى مأتم وعويل، ومن أخذها منطلقا لكراهية أهل السنة وتحميل دم الحسين لأجيال السنة التى لم تشهد هذا اليوم وقد لا تعرف عنه شيئا وهى تحب الحسين والصحابة أجمعين حبا جما.

•وعلى المراجع الشيعية الكبرى أن تنهى شبابها عن فكرة اختصار واختزال الصحابة رضوان الله عليهم فى الحسين، فالصحابة الأجلاء عددهم يزيد على مائة ألف بينهم الشهداء والعلماء والزهاد والقادة وعباقرة السياسة والحرب.

•والغريب أن معظم عوام الشيعة يختصرون الصحابة فى آل البيت، ويختصرون آل البيت فى الحسين، ورغم عظمة ومكانة الحسين إلا أن هذا الاختزال يضر الدين والإسلام، ويضر أصحابة، فأين الحسن بن على صاحب الكرم والجود والإيثار وصاحب الصلح العظيم الذى حقن دماء الملايين، والذى منحه الرسول وسام «إن ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين»، فأين أبو بكر يوم الردة ويوم الهجرة، وأين عمر أعظم حكام التاريخ ورائد العدل السياسى والاجتماعى، ومحاسبة الحاكم لنفسه وأسرته، وأين خالد فى اليرموك، وسعد فى القادسية، وبلال سيدنا، وربح البيع يا صهيب، وعثمان الذى نال وسام «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، وعلى بوابة العلم والفضل والسبق، وغيرهم وغيرهم مما يطول ذكره ويصعب حصره؟!».

•يوم عاشوراء لا يصلح أن يكون يوما للطم الخدود وتمزيق الملابس وضرب المسلم لنفسه حتى ينزف جسده دما، لينقل ذلك على كل الشاشات فيسىء إلى الإسلام وأهله، أين هذه الصورة المزرية من نداء النبى «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية »؟

•وإذا كان الشرع الحنيف ينهى الأم التى مات ابنها الشاب منذ دقائق أن تفعل ذلك، فكيف يقبل ذلك على رجل مات منذ قرابة 16 قرنا من الزمان مهما كان فضله؟!

•ولو كان الحسين حيا هل كان يرضيه ذلك أو يقبله ممن يخالفون هدى جده المصطفى (ص).. اللهم لا ؟!.

•لماذا لا يتم مثل هذا الحزن على الفاروق وقد مات شهيدا مظلوما، أو على بن أبى طالب الذى قتل شهيدا مظلوما أيضا؟!.

•هذه الأجيال من الشيعة لم تخذل الحسين حتى تفعل بنفسها هكذا، وهذه الأجيال من السنة بريئة من دم الحسين، وكلاهما السنة والشيعة الآن لم يكونا طرفا فى أى صراع بين الصحابة، ولا يليق أن تتحول ذكرى عاشوراء من الفرح بموسى عليه السلام وهو أعلى مقاما من الحسين ومن كل الصحابة وأرفع درجة إلى البكاء والعويل على الحسين، وتحويل ذكرى النصر إلى ذكرى هزيمة، ويوم الفرح إلى العويل واللطم.

•لقد أكل الصراع الشيعى السنى الأخضر واليابس واتخذ من ذكرى كربلاء وعاشوراء نواة وأداة مستمرة لتأجيج هذا الصراع وضمان استمراره واشتعاله.

•ووالله.. إن استمر هذا الصراع الذى لا يقف عند حد فلن تكون هناك أمة عربية أو إسلامية، فلا مناص من صلح تاريخى بين السنة والشيعة، ولا بديل عن التعاون والتآزر بينهم، ولابد أن يرجع الجميع إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويضعوا هذه الأحقاد والضغائن التى تغذيها الصراعات السياسية فى حقيبة سوداء ويتم دفنها، ويجرم من يخرج شيئا منها كما فعلت أوروبا لإنهاء الصراع الكاثوليكى البروتستانتى لتعيش فى السلام الذى نراه اليوم.

•الصراع السنى الشيعى هو صراع سياسى فى الأساس يتخذ من الدين وكربلاء وعاشوراء ستارا ودثارا، لا تجد بعض الدول ستارا لأطماعها وحشدا لأنصارها إلا بهذا الصراع الذى يدشن الميليشيات تلو الميليشيات بدء من الحشد الشعبى، وانتهاء بداعش والقاعدة.

•اللهم أنقذ هذه الأمة التى تفرق شملها وأصبح بأسها بينها شديدا وغفلت عن أعدائها الحقيقيين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved