لغتان

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 14 أكتوبر 2017 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

 منذ أسابيع قليلة عثرت في الإنترنت على كنز! عثرت على أعداد كثيرة من مجلة مجمع اللغة العربية وقد استمعت بتصفح بعضها وخاصة الأعداد الأولى منها، طبعاً هناك الكثير من مقالات هذه المجلة خارج نطاق إهتماماتي (على الأقل حالياً) لتخصصها في دقائق دراسات الشعر والأدب بعامة والنقد ولكن هناك بعض المقالات التاريخة ومقالات الترحيب بالأعضاء الجدد أو تأبين من رحلوا ففيها من المعلومات الشيقة عن نجوم ساطعة لا نعرفهم وإن كان حق علينا أن نعرفهم... ومن هذا التصفح جائت فكرة مقال اليوم.

 

في مقال سابق تحدثنا عن أهمية تنمية المقدرة اللغوية عند الفرد حتى وإن لم تكن لغة العلم في هذا العصر واليوم نستكمل حديثنا عن اللغات وتعلمها، لنبدأ بلغتنا الأم وهي اللغة العربية  ... هنا قد تستوقفني بسؤالين استنكاريين: أو ليست اللغة العامية هي اللغة التي نفكر بها وليست العربية؟ ولماذا نهتم باللغة العربية وهي ليست لغة العلم الآن؟

 

للإجابة على السؤال الأول أسألك سؤالاً صغيراً: أنت الآن تقرأ هذا المقال وهو مكتوب باللغة العربية وليست العامية فهل تجد أية صعوبة في فهمه؟ حتى وإن كنت تفكر باللغة العامية فأقرب لغة إليها هي العربية وإذا تحسنت لغتك العربية تحسنت طريقة تفكيرك لأن تحسين اللغة يجعلك أدق في التعبير والدقة مطلوبة لترجمة أفكارك لكلام سهل الاتيعاب كما يساعدك على استعياب المكتوب بسهولة أكثر ... أهل اللغويات (Linguists) أقدر مني طبعاً على شرح هذا الكلام وتأثير اللغة على التفكير.

نأتي لسؤالك الاستنكاري الثاني وهو أن اللغة العربية ليست لغة العلم في عصرنا الحالي بل هي اللغة الإنجليزية فلماذا نبذل الجهد لتحسين (أو لنكن واقعيين ونقول "تعلم") اللغة العربية؟

 

هنا حركة ترجمة ممتازة حاليا في مصر ولا يسعنا إلا أن نشكر المركز القومي للترجمة جزيل الشكر، فأنا في بعض الأحيان أرى كتاباً في أمريكا أحس أنه يستحق الترجمة وأجده بعد سنة وأقل مترجماً وتباع النسخة العربية منه في مصر وهو طبعاً مترجم للعربية وليست العامية، إذا فمعرفتك باللغة العربية سيساعدك على استيعاب علوم الغير بسهولة أكثر وإذا كنت أنت نفسك من أهل الترجمة أو باحثاً فستستطيع أن تصل إلى متكلمي العربية بسهولة وفاعلية ... وحيث أننا نتكلم عن العربية تحضرني قصتان طريفتان.

 

قدمت أم كلثوم حفلتين في باريس ويجب أن نعترف أن الشعر العربي لم يتردد تحت سماء أوروبا كما تردد في تلك الحفلتين منذ خروج العرب من الأندلس كما قال حافظ محمود في كتابه الرائع "المعارك في الصحافة والسياسة والفكر بين 1919-1952"، ومن الطريف أن نذكر أن نائب المدير العام لليونسكو آنذاك زار الست بعد الحفلتين وقال أن إنتصار العربية في أوروبا بحفلتي أم كلثوم جاء على موعد مع القرار الذي إتخذته اليونسكو بإعتبار اللغة العربية لغة دولية وقد كانت ذلك محل ضغط وحرب كبيرة من العرب للموافقة على الطلب منذ إنشاء الأمم المتحدة سنة 1945.

 

القصة الثانية عندما جاء برنارد شو إلى مصر وحتى يختفي عن الأنظار نزل هذا الأديب الذي سعى ملك بريطانيا إلى داره في فندق من فنادق الدرجة الثانية ولكن سلامة موسى ومعه حافظ محمود وجدوه بمحض الصدفة، وفي حديثهم معه أسر لهم الأديب الكبير أنه لم يكن يظن أن اللغة العربية تحتوي على تلك المعاني القوية التي وردت في خطاب ألقاه سعد زغلول في تأبين الشاعر والأديب والصحفي الفرنسي أناتول فرانس، مقولة برنارد شو تعني أننا إذا  أمام مسئولية مزدوجة: تعلم العربية وبيان جمالها للعالم.

 

عنوان مقال اليوم "لغتان" وقد تحدثنا عن العربية فما هي اللغة الأخرى؟ اللغة الأخري لم يريد أن يعمل بالبحث العلمي أو أية مهنة تحتاج إلى معرفة علمية هي لغة العلم في هذا العصر وهي اللغة الإنجليزية حيث أن معظم الأبحاث العلمية المنشورة اليوم تكتب الإنجليزية، إذا كنت تعمل في مجال علمي فلا يمكنك الإعتماد على المترجمات لأنه ليس كل ما هو مهم في العلم يترجم فإذا وجدت كتاباً علمياً مترجماً فلن تجد بحثاً علمياً مترجماً وحتى إذا ترجم فستكون متأخراً عن من يستطيع القراءة بالإنجليزية لأنك ستنتظر حتى تجد الترجمة وطبعاً الإعتماد على تكنولوجيا مثل Google Translate  قد يكون الحل ولكن مستقبلاً وليس الآن لأن الترجمة الأوتوماكية مازالت في مهدها إلا في البسيط من الجمل.

 

كانت الفرنسية تنازع الإنجليزية كلغة دولية خاصة عند إنشاء الأمم المتحدة وكان النزاع حول إختيار اللغة الأساسية التي تدار بها الأعمال ولكن إختيار نيويورك كمدينة للمركز الرئيسي للأمم المتحدة حسم النزاع ...

 

إذا أردت أن تتقدم علميا عليك بلغتين: العربية والإنجليزية ... على الأقل

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved