جنرالات السوشيال ميديا!!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 14 أكتوبر 2019 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

ابتداء من عام ٢٠١٤ وقعت مصر العديد من الصفقات العسكرية المهمة خصوصا طائرات الرافال الفرنسية، ثم حاملتى الطائرات الروسية، «الفرنسية الاصل» الميسترال. وكذلك تسلم غواصات ألمانية حديثة، إضافة لأنواع أخرى من الأسلحة، كما أنشأت الأسطول الجنوبى وقاعدة محمد نجيب العسكرية.
حينما حدث ذلك خرجت أصوات كثيرة تهاجم بل وتسخر من هذه الصفقات، وقالوا إننا لسنا بحاجة لهذه الأسلحة، وماذا سنفعل بها فى ظل العلاقات الجيدة مع إسرائيل؟!!.
قالوا أيضا نحن لا نحتاج إلا لأسلحة خفيفة، وطائرات الهليوكوبتر لمحاربة الإرهابيين فقط، وهو نفس المنطق الذى تطالبنا به إسرائيل وأمريكا، منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978.
اليوم بعض هؤلاء يطالب بضرورة الاستنفار، بل ومحاربة إثيوبيا فى ظل عنادها ورفضها لأى حلول منطقية فيما يتعلق بسد النهضة الذى سيؤثر على الحقوق المائية المصرية.
لا أتمنى وقوع حرب مع إثيوبيا، إلا إذا كانت خيارا أخيرا جدا، وأتمنى أن تعود إلى رشدها، لكن السؤال المهم إذا ــ لا قدر الله ــ وصلنا إلى السيناريو الأسوأ والأخير وهو إصرار الجانب الإثيوبى على التصعيد، فماذا سنفعل وقتها؟!.
هذا السؤال استنكارى وأوجهه إلى الذين انتقدوا الصفقات العسكرية المصرية قبل سنوات، وبعضهم يدعو الآن علنا إلى الذهاب للحرب دفاعا عن حقوقنا المائية.
القاعدة الاستراتيجية تقول إن قوتك الشاملة بما فيها العسكرية، هى التى تمنع خصومك وأعداءك من التجرؤ عليك، وبالتالى فحتى لو لم نحارب، فإن قوتنا هى التى تردع الآخرين وتجعلهم «يعملون لنا ألف تريليون حساب» كما يفعل العدو الصهيونى مع العرب منذ سنوات طويلة.
للإسف فإن جنرالات الفيسبوك أفتوا كثيرا فيما لا يعلمون، وبعضهم يفترض أنه «أكمل علامه» ولديه الحد الأدنى من العقل الذى يجعله يعقل الأمور، ولا ينساق خلف تعبيرات رومانسية، أو أفكار تصدرها دول وأجهزة لا تريد أن يكون لدينا قوة حقيقية.
هؤلاء قالوا وقتها: كيف نشترى أسلحة بمليارات الدولارات، فى حين أننا نحتاج لهذه الأموال للتعليم والصحة والتوظيف وسائر المجالات؟
سؤال يبدو منطقيا جدا، والرد عليه ببساطة أنه لو أن كل دولة فكرت بهذا المنطق شديد العاطفية، فسوف تلغى الجيوش من الأساس لأن بها مشاكل اقتصادية على الدوام. وحتى أغنى وأقوى الدول مثل أمريكا وروسيا والصين لديها فقراء ومشردون، فهل تتوقف عن بناء جيوشها كى تطعم هؤلاء؟!.
وحتى يفهم كلامى بصورة صحيحة، فالأساس هو التوازن فى كل شىء، بمعنى أن يكون هناك قسط للتعليم والصحة والخدمات، وجزء لميزانية الجيش حتى يكون قويا، وفى حالة الحروب والتهديدات الكبرى، فإن هناك أمما كاملة تخصص كل ميزانياتها لبناء الجيوش وتسليحها، ونتذكر أننا عشنا فترة مماثلة بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، حتى تم النصر الكبير فى أكتوبر ١٩٧٣، وتحمل الشعب بشجاعة هذه الفترة الصعبة، من أجل استرداد كرامته، ولم يَشْكُ أحد وقتها من صعوبات الحياة المتنوعة.
وبالطبع فإن كل ذلك يتطلب وجود إنفاق رشيد ومحاربة دائمة للفساد، ووقف اهدار المال العام، وقبل ذلك وبعده وضوح وسلامة وصحة الاولويات الاقتصادية ورشدها.
اليوم نحن نواجه تحديات استراتيجية متعددة، ليس فقط من جانب إثيوبيا التى تصر على هضم حقوقنا فى مياه النيل ولكن من أكثر من اتجاه.
تركيا تغزو الآن سوريا الشقيقة، وتتحرش كل يوم بحقوق الغاز القبرصية فى البحر المتوسط، فى مناطق قريبة جدا من حقولنا فى هذه المنطقة المهمة جدا التى يقع قربها حقل ظهر.
تركيا أيضا تواصل تسليح الميليشيات الإخوانية والسلفية والإرهابية المتنوعة فى ليبيا، التى نملك معها حدودا مفتوحة تصل إلى ١٢٠٠ كيلو متر.
لدينا أيضا عدو وجودى اسمه إسرائيل، ورغم العلاقات الباردة أو الدافئة معه، فى السنوات الأخيرة، فهو يظل العدو الاستراتيجى، ووجوده سبب لغالبية المصائب والكوارث التى نعانى منها أمس واليوم وغدا.
هذا العدو يبذل منذ سنوات كل جهوده بالتعاون مع أمريكا لكى نغير عقيدتتا القتالية بحيث لا تتضمن مواجهة جيوش نظامية كبرى، بل مجرد حرب عصابات ضد الجماعات الإرهابية، وهو أمر رفضه الجيش المصرى من أيام السادات ومبارك ولا يزال يرفضه حتى الآن.
أن آجلا أو عاجلا ستقل أو تنتهى الصراعات الجانبية، ووقتها سنكتشف أن العدو هو إسرائيل. ولذلك ينبغى أن نكون مستعدين لمثل هذا اليوم.
تلك هى الصورة على الأرض، فهل يتوقف جنرالات السوشيال ميديا عن الافتاء فيما لا يعلمونه؟!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved