الإشراف القضائى على لجان الاقتراع والفرز اختراع مصرى كويتى فقط

حاتم بجاتو
حاتم بجاتو

آخر تحديث: الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 11:55 ص بتوقيت القاهرة

عرفت مصر الانتخابات منذ عام 1866 بانتخاب مجلس شورى النواب فى عهد الخديوى إسماعيل، ومنذ ذلك التاريخ نيط بوزارة الداخلية الإشراف على العملية الانتخابية برمتها، وبرغم صدور دستور 1971 ناصا فى مادته الثامنة والثمانين على إشراف أعضاء الهيئات القضائية على الاقتراع والفرز، فقد ظل الإشراف معقودا لوزارة الداخلية، يندب وزيرها بعضا من أعضاء الهيئات القضائية للإشراف على اللجان العامة وعلى نزر يسير من اللجان الفرعية، ويوكل الإشراف على باقيها لموظفين إداريين بالدولة. ولم يتغير الأمر، تغييرا جوهريا، عقب صدور حكم المحكمة الدستورية العليا عام 2000 بوجوب الإشراف القضائى الكامل على عمليتى الفرز والاقتراع، ففيما عدا إشراف أعضاء الهيئات القضائية على جميع اللجان الفرعية، ظل أمر الانتخابات فى يد وزارة الداخلية، تتولى جميع العمليات المتعلقة بالانتخابات، بما فيها قرار ندب أعضاء الهيئات القضائية المشرفين على الاقتراع والفرز.

 

 وبحلول عام 2005 طرأ تطور نوعى على الجهة المشرفة على الانتخابات، فكان أن عُدِّلَ قانون مباشرة الحقوق السياسية، وصار المشرف على العملية الانتخابية للبرلمان بمجلسيه لجنة برئاسة وزير العدل وعضوية تجمع بين القضاة والشخصيات العامة، وهى اللجنة التى ما لبث أن تغير تشكيلها، فى عام 2007 ليضحى رئيسها قاضيا «رئيس محكمة استئناف القاهرة» مع الاحتفاظ بالتشكيل المختلط، قضاة وشخصيات عامة.

 

بيد أن هذا التطور الإيجابى فى تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات البرلمانية اقترن بكارثة إلغاء الإشراف القضائى على الاقتراع والفرز، وهو إلغاء مرده رغبة النظام السابق فى التلاعب بنتائج الانتخابات وإقصاء قوى المعارضة، وهو ما كان متعذرا فى ظل الإشراف القضائى على اللجان الفرعية، ومن ثم فقد حيل بين القضاة واللجان الفرعية، وقُيّدَ الإشراف على اللجان العامة، بأن جُعِلَ عدد أعضائها ما بين ثلاثة وتسعة من القضاة، على النحو الذى وردت به تعديلات 2007 الدستورية وما اقترن بها من تعديلات أُدخلت على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقد تغيَّا المشرع فى تحديد أعداد أعضاء اللجان العامة تعويقهم عن القيام بأى دور فعال فى مراقبة الاقتراع والفرز، وهو ما أفضى إلى مأساة انتخابات سنة 2010، التى زعم النظام السابق إجراءها تحت الإشراف القضائى، والقضاة منها براء.

 

ورغم الزعم، فى هذا الوقت، بتشكيل لجنة قضائية مستقلة تشرف على الانتخابات؛ فقد ظلت العديد من الأمور الجوهرية المؤثرة على صميم العملية الانتخابية فى قبضة وزارة الداخلية، كإعداد الجداول الانتخابية وتنقيتها، وتسلم أوراق الترشح فى مقار مديريات الأمن، وتسليم المرشحين كشوف الناخبين، بل وسّدت دعوة الناخبين للاقتراع فى الانتخابات التكميلية لوزير الداخلية.

 

 وقد كانت الانتخابات الرئاسية أفضل حالا، إذ أُوكل أمر الإشراف عليها، منذ اللحظة الأولى عام 2005، بلجنة شبه قضائية يرأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومنحت اللجنة سلطات كاملة بدءا من فتح باب الترشح ودعوة الناخبين للاقتراع وحتى إعلان النتائج، ولم يخرج عن اختصاصها سوى أمر واحد، أراه على قدر كبير من الأهمية، هو أمر إعداد جداول الناخبين.

 

وفى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، نظم الإعلان الدستورى، بالبناء على المواد المستفتى عليها فى 19 من مارس سنة 2011، أمر الانتخابات وجعله قضائيا بحت، إذ أنشئت لجنة مشكلة تشكيلا قضائيا كاملا للإشراف على الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية، ووسعت اختصاصاتها فشملت كل ما يتعلق بالانتخابات، بدءا من الإشراف على إنشاء قاعدة بيانات الناخبين وحتى إعلان النتائج، مع إعادة إشراف أعضاء الهيئات القضائية على الاقتراع والفرز، حين نقى الإعلان الدستورى لجنة الانتخابات الرئاسية من العناصر غير القضائية وأبقى على سائر اختصاصاتها.

 

تقييم الوضع الحالى

 

وعلى الرغم من التطور النوعى فى الإشراف على الانتخابات، ومع المزايا العديدة التى كفلها الإشراف القضائى الكامل على انتخابات البرلمان والرئاسة، مما أسفر عن أنزه انتخابات برلمانية ورئاسية عرفتها مصر، وهو ما شهد به جميع المتابعين، فإن الأمر لم يخل من مثالب عدة يمكن إجمال أهمها فى الآتى:

 

1 ــ تقسيم الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى لجنتين أحدث نوعا من الارتباك،

 

2 ــ رغم ديمومة هذه اللجان بحكم الدستور والقانون، فإنها مؤقتة بحكم الواقع، لأن تشكيلها من قضاة بحكم مناصبهم، شارفوا على التقاعد، يجعل إدارتها تتغير سنويا.

 

3 ــ نشأ عن التغير السنوى لإدارة اللجان، وما استتبعه من تغير الأمانات الفنية، حرمان تلك اللجان من تراكم الخبرات، وصار كل تشكيل يبدأ من نقطة الصفر، أو ما يجاوزها بقليل.

 

4 ــ وإذ اقترن بتلك التغيرات السنوية أن اللجنتين وأمانتيهما غير متفرغتين للعمل الانتخابى، وغير متخصصتين فيه، ولا مدربتين عليه، فقد أضحى الأمر محض اجتهاد، خاضعا للقدرات الفردية لأعضاء اللجان وأمانتها.

 

5 ــ أضيف إلى ذلك كله عدم وجود هيكل تنظيمى إدارى ثابت للجان، وهو ما عوق العمل، وحد من إمكانيات تطويره، فضلا عن الافتقار لفروع للجنتين بالمحافظات، على الرغم من أهمية ذلك وضرورته لحسن اضطلاع اللجنتين بعملهما.

 

6 ــ وتعرضت اللجنتان، بنسب متفاوتة، إلى مشكلات فى تخصيص المقار، وتدبير الإمكانيات المادية واللوجستية، واضطرت للاستعانة بإمكانات وزارات الدفاع والعدل والداخلية، فى طباعة أوراق الاقتراع نقلها، وتجهيز لجان الاقتراع، وتدبير تنقل وإقامة المشرفين على اللجان العامة والفرعية والعاملين بها.. إلخ.

 

7 ــ كما حد من قدرات اللجنتين عدم إنشاء الأجهزة التنفيذية المعاونة، وحدات رصد الدعاية، وحدات مراقبة الإنفاق، وحدات التدريب.. إلخ، ناهيك عن الافتقار للآليات الذاتية لتنفيذ القرارات، والاضطرار لتنفيذها عن طريق سائر أجهزة الدولة، سيما الإدارة المحلية، وهى، فى الأغلب الأعم، إما غير راغبة، أو غير قادرة، أو غير مكترثة.

 

8 ــ وأفضى تأخر اللجنتين بالبدء فى مباشرة العمل، نتيجة عدم التفرغ والتأخير فى توفير المقار والموازنات اللازمة، وقد لا يعلم الكثيرون أن لجنة الانتخابات الرئاسية تسلمت مقرها فى 23 من فبراير سنة 2012، وانتهت من تجهيزه فى الخامس من مارس سنة 2012 حين كان محددا بدء تسلم أوراق الترشح يوم العاشر من مارس، كما أن القسط الأول من موازنتها تم توفيره فى العشر من مارس.. أقول أفضى هذا التأخر إلى إتاحة الوقت الكافى لتدريب القضاة المشرفين على العملية الانتخابية على النحو الذى كان مخططا له.

 

9 ــ وكبل عمل اللجنتين واربكاهما إطار تشريعى يحفل بأوجه القصور والنقص بل التناقض أحيانا، وتلاحق التعديلات التشريعية أثناء الانتخابات؛ بما يغير القواعد والإجراءات تغييرا جوهريا، فغير خفى توقيت صدور التشريع المنظم لتصويت المصريين خارج البلاد؛ وما ترتب عليه من تعديلات جوهرية فى بنية قاعدة بيانات الناخبين، واستتبعه من تجهيزات لوجستية وفنية كان تدبيرها، مقارنة بالوقت المتاح، أشبه بالإعجاز. كما عُدِّلَ قانون الانتخابات الرئاسية مرتين بعد فتح باب الترشح، فضلا عن تعديل مؤثر ومرتبط لقانون مباشرة الحقوق السياسية، حتى إن تعديلا تشريعيا أُجرى على قانون الانتخابات الرئاسية قبيل الاقتراع بأيام معدودات، حين أن تنفيذ مقتضاه تطلب تعديلات فى محاضر الإجراءات، وطباعة نماذج جديدة، ونقلها للجان الفرعية والعامة، وإصدار التعليمات التنفيذية، وإبلاغ القائمين على اللجان الفرعية بها.. إلخ. وأخيرا، ألقى الإطار التشريعى المنظم للطعون القضائية على قرارات لجنة الانتخابات البرلمانية مزيدا من الأعباء على كاهلها، إذ أخذت الأحكام القضائية تترى، بحذف أسماء مرشحين أو إضافة أخرى أو تغيير صفات أو تأجيل التصويت فى بعض الدوائر، وما استتبعه ذلك من تغيرات فى أوراق الاقتراع أو مواعيده، وقد صدرت بعض هذه الأحكام عشية ليلة الاقتراع !!

 

 

 

 

الوضع المقارن

 

يشرف على الانتخابات فى مختلف دول العالم أجهزة دائمة، وهى إما أجهزة حكومية، وإما مستقلة، وإما خليط بين هذا وذاك، واللافت للنظر أن الدول العريقة فى الديمقراطية يشرف على الانتخابات بها أجهزة حكومية، وزارة الداخلية فى الأغلب، وهو أمر مفهوم، إذ إن هذه الدول رسخت فيها قيم الديمقراطية وتقاليدها، على نحو يضمن نزاهة الانتخابات بقطع النظر عن الجهة أو الأشخاص القائمين على أمرها.

 

غير أن الاتجاه المتنامى فى الديمقراطيات الناشئة يتجه نحو إنشاء تنظيمات مستقلة، لجان أو مفوضيات، دائمة للإشراف على الانتخابات، وتتشكل هذه التنظيمات من جهاز للإدارة العليا، يضطلع برسم السياسات ومراقبة تنفيذها، وكفالة نزاهة الانتخابات، يتبعه أمانة فنية دائمة، وجهاز إدارى مقسم للعديد من الوحدات التى تضطلع بمختلف المهام المتطلبة للعملية الانتخابية.

 

ويتكون جهاز الإدارة العليا لهذه التنظيمات المستقلة من عدد محدود من الأعضاء، من ثلاثة إلى أحد عشر عضوا، والغالب أن يكون العدد من 5: 7، وعمل جهاز الإدارة العليا محدد بفترة زمنية معقولة من أربع إلى ثمانى سنوات، والأصل ألا يجدد التعيين، والاستثناء التجديد، ومن يأخذ بهذا الاستثناء يقصر التجديد، فى الأغلب، على مرة واحدة.

 

ويُختار جهاز الإدارة العليا بعدة طرق، فقد يوكل الأمر لرئيس الدولة، أو للبرلمان، أو للاثنين معا، سواء بالتوازى أو بالتكامل، ويكون الترشيح من جهات رسمية أو عن طريق الأحزاب الممثلة فى البرلمان، أو عن طريق مسابقة يتقدم إليها الراغب، ويتطلب فى أعضاء الإدارة العليا شروط عدة أهمها الحيدة والنزاهة والتجرد، فضلا عن الخبرة والكفاءة.

 

ويمنح رئيس وأعضاء جهاز الإدارة العليا الحصانة القضائية، لكفالة حسن قيامهم بعملهم، وعادة ما يُنص فى الدستور، أو القانون المنظم لعملهم، منحهم وضع رئيس المحكمة العليا وأعضائها، كما تمنح تلك التنظيمات موازنة مستقلة كافية.

 

ونلفت النظر إلى أن موظفى الجهاز الإدارى للتنظيم الانتخابى لا يشرفون بذاتهم على لجان الاقتراع الفرعية، فلا يوجد، فيما أعرف، وأظننى قد طالعت معظم نظم إدارة الانتخابات فى العالم، تنظيم انتخابى يضم موظفين مهمتهم الوحيدة الإشراف على لجان الانتخابات الفرعية، فلا توجد دولة توظف عشرات الألوف من الموظفين ليعملوا يوما واحدا كل سنة، بل يستعان فى الأشراف على لجان الاقتراع بموظفى الدولة أو بالمكلفين بخدمة عامة أو بالناخبين أنفسهم.. إلخ، تحت الإشراف العام لتلك التنظيمات المستقلة، وهناك تجارب متعددة لدول مختلفة لضمان حسن اختيار المشرفين المؤقتين وحيدتهم، وهناك برامج لتدريبهم بما يحقق الفاعلية والكفاءة.

 

وتختص أغلب التنظيمات الانتخابية «المفوضيات»، بالإضافة للإشراف على شئون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بالإشراف على الانتخابات المحلية، كما تختص غالبها، أيضا، بشئون الأحزاب السياسية، من تسجيل وتأكد من توافر شروط التكوين واستمرارها، ومراقبة مصادر التمويل، بل الفصل أحيانا، فى المنازعات بين الأحزاب وأعضائها.

 

وليس لقرارات المفوضيات حصانة، بل يمكن الطعن عليها أمام المحاكم. والأصل أن يطعن على قراراتها أمام المحاكم المختصة بالمنازعات الإدارية، كما أن الغالب أن يختص بالفصل فى الطعون الخاصة بانتخابات رئاسة الدولة المحاكم العليا أو الدستورية أو المجالس الدستورية، بيد أن هناك اتجاها حديث بدأ فى دول أمريكا اللاتينية وهو آخِذ فى الانتشار، لإنشاء محاكم انتخابية متخصصة مستقلة.

 

قراءة نقدية للنصوص المقترحة من الجمعية التأسيسية

 

على ضوء مطالعتنا للنصوص الخاصة بالمفوضية فى مسودتها الأولية، وفقا لما ورد بالموقع الإلكترونى للجمعية التأسيسية، نجد أن هذه النصوص وقد بُذل فيها جهد طيب يحمد للقائمين على أمرها، فإن عليها من وجهة نظرى الشخصية، والتى لا ألزم بها أحدا ولا أدعى صوابها المطلق، العديد من الملاحظات، يمكن إجمال أهمها فيما يلى: 1ــ نُصَّ على المفوضية فى باب الجهات الرقابية والهيئات المستقلة، مما مؤداه أن تسرى عليها الأحكام العامة الموجودة فى الباب، ومن ثم ستلتزم المفوضية، شأنها شأن سائر الجهات الرقابية والهيئات المستقلة، بتقديم تقرير لرئيس الجمهورية والبرلمان، ومن غير المقبول أن ترفع مفوضية الانتخابات تقريرا للجهات التى تشرف على انتخابها ويجب أن تكون مستقلة عنها، فهذا يقدح فى استقلاليتها.

 

2ــ هناك خروج فى تعيين رئيس المفوضية عن القواعد العامة المنظمة لاختيار رؤساء باقى الجهات الرقابية والهيئات المستقلة، فإذا كان ذلك، وكان تقديم التقارير، كما ذكرنا، يتنافى مع استقلال المفوضية، فلم الإصرار على وضعها فى باب الجهات الرقابية؟! أو ليس من الأفضل إفراد باب خاص لها بعد باب السلطة القضائية؟! أو النص صراحة، حال إبقائها فى موضعها المقترح، على استثنائها من الأحكام الواردة فى المواد التى تتعارض مع استقلاليتها.

 

3 ــ الإشراف القضائى على لجان الاقتراع والفرز، بمعنى قاضى لكل صندوق، شأن مصرى متفرد لا مثيل له فى أية دولة أخرى، عدا الكويت، وسيُعدل عنه، حتما، يوما ما، بل يجب العدول عنه، لما فيه من إرهاق للقضاة، والحيلولة بينهم وبين التفرغ لأداء عملهم الأصلى، والمساهمة فى إطالة أمد التقاضى وتعطيل الفصل فى القضايا، لكن، ورغم كل هذا، فالإشراف القضائى بصورته الحالية يجب أن يستمر فى المستقبل المنظور؛ ذلك أن الضمانة الأهم لنجاح أى انتخابات هى الثقة بين المشرف على الانتخابات والناخب، وقضاة مصر هم أهل ثقة، وملاذ المستجير، لما يتميزون به من نزاهة وحيدة وتجرد، وهم لم يسعوا يوما للإشراف على الانتخابات، ولم يفرضوا أنفسهم عليها، بل استدعاهم شعبهم فأجابوا، وتعلقت بهم آمال مواطنيهم فأطاعوا، ومن ثم فيجب لنجاح أى انتخابات قادمة استمرار الإشراف القضائى بالصورة الراهنة، ولا يستطيع أحد أن يحدد مسبقا الفترة التى يمكن بعدها الاستغناء عن هذا الإشراف، وفى تحديد هذه الفترة بعشر سنوات «النص المقترح» مصادرة على المطلوب، وقد يعقّد الأمور مستقبلا، ومن ثم فلا داعى للنص على مدة الإشراف القضائى على اللجان الفرعية فى الدستور الجديد، وترك الأمر لما سيسفر عنه التطور الديمقراطى، والذى قد يفضى للعدول عن هذا الإشراف قبل مرور السنوات العشر المقترحة، أو قد يبقى عليه لفترة أبعد، بل قد تتطور وسائل الانتخابات وطرقه، بحيث يمكن معه الاحتفاظ بالإشراف القضائى مع تعديله بصورة تنعدم معها المثالب الناجمة عنه.

 

4 ــ وحتى إذا تم الاستغناء عن الإشراف القضائى، فلا يمكن استبدال القضاة بموظفين دائمين تابعين للمفوضية، فهذا أمر لا مثيل له، ويرهق موازنة المفوضية بغير طائل، إذ سيتطلب توظيف قرابة الخمسين ألف موظف أو يزيد، يعملون يوما أو يومين على الأكثر كل عام!

 

والأمر يمكن تدبره بوسائل شتى منها إناطة الإشراف بالناخبين ذاتهم، أو لمكلفين بالخدمة العامة، أو طلاب الجامعات، أو أعضاء منظمات المجتمع المدنى، أو غيرهم؛ بشروط خاصة فى الاختيار والتدريب والتأهيل والمراقبة، وهذه أمور متغيرة متطورة تترك للنقاش المجتمعى، حين يقدر المجتمع إمكانية العدول عن الإشراف القضائى.

 

5 ــ اختيار رئيس وأعضاء المفوضية من القضاة أمر مفهوم استصحابا للسوابق التاريخية، ولكن ترك اختيارهم للهيئات القضائية بغير ضوابط قد يضر أكثر من أن ينفع، وكذا أسلوب المحاصصة «ثلاثة من النقض وثلاثة من الاستئناف وثلاثة من مجلس الدولة» قد يفسد التجربة، إذ قد لا يتوافر فى المختارين شروط الكفاءة الإدارية والخبرة المتطلبة لإدارة الانتخابات، فلا تلازم بين الكفاءة القضائية التى يتمتع بها، بغير نقاش، قضاة مصر الأجلاء والقدرات الإدارية المتطلبة لإدارة مثل هذا الكيان الضخم، ولذا فقد يكون من الأوفق أن يقتصر دور الهيئات القضائية على الترشيح ويكون الاختيار لجهة أخرى، ويجب أن يبين القانون شروط المرشحين للعضوية، بل يمكن، فى مرحلة لاحقة، أن يتم اختيار شخصيات عامة غير قضائية مشهود لها بالنزاهة والحيدة ضمن أعضاء المفوضية؛ استفادة بخبرات تتطلبها إدارة الانتخابات قد لا تتوافر فى القضاة، فبون شاسع بين إدارة مفوضية انتخابية، والإشراف على الاقتراع والفرز.

 

6 ــ يحسن أن ينص على تغيير نصف الأعضاء دوريا كالحال فى مجلس الشورى، فيغادر نصف التشكيل الأول، بالقرعة، بعد نصف المدة، وبعدها سيستمر الجميع مددا كاملة، ضمانا لتواصل الخبرات، فلا يتغير كل أعضاء مجلس إدارة المفوضية مرة واحدة، بل يمكن أيضا المغايرة بين مدة الرئيس والأعضاء لذات الغرض.

 

7 ــ يجب النص فى الدستور على عودة القضاة رئيس وأعضاء المفوضية لجهاتهم القضائية عقب انتهاء عملهم بالمفوضية.

 

8 ــ إذا تم حظر ندب القضاة فى الدستور، فيجب النص فيه أيضا على استثناء ندبهم الكامل أو الجزئى للعمل فى أمانة المفوضية.

 

9 ــ إيلاء الإشراف على انتخابات التنظيمات النقابية وغيرها للمفوضية، إثقال لكاهلها بعبء جديد لا طائل منه، وقد يؤدى إلى إرباكها، وشغلها عن أداء دورها الأساسى، وهو يتنافى، فى الآن ذاته، مع ديمقراطية العمل النقابى، ووجوب ترك أمور النقابات لأهلها.

 

10ــ النص الانتقالى، إشراف لجنة الانتخابات البرلمانية القائمة على أو انتخابات نيابية تالية للعمل بالدستور الجديد، هو نص جيد، وإذ يرفع عن كاهل المفوضية خوض تجربة دون استعداد كاف، فالانتخابات مقرر لها ستون يوما من تاريخ العمل بالدستور، وهى مدة غير كافية لتشكيل المفوضية أساسا، غير أن النص على نقل موجودات لجنتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية للمفوضية، نص لا يوضع فى دستور ومكانه التشريع. 11ــ فى معظم دول العالم تختص المفوضيات الانتخابية بشئون الأحزاب، وأرى وجوب النص على ذلك الاختصاص للمفوضية، سيما أن تنظيم لجنة الأحزاب، بوضعه الراهن، يشوبه عوار شديد، بسبب التشريعات القائمة، عن حل المشكلات فى كثير من الأحزاب، أوضح من أن يحتاج لمثال.

 

12ــ استحداث محكمة انتخابية متخصصة ضرورة ملحة، من وجهة نظرى، بيد أنه إذا رؤى لأسباب تتعلق بتوازنات قائمة عدم استحداثها، فيجب ترك طعون الانتخابات النيابية والمحلية بما فيها الفصل فى الطعون على النتائج وصحة العضوية لدوائر متخصصة بمحاكم القضاء الإدارى، وقد يفضل ترك أمر الانتخابات الرئاسية للمحكمة الدستورية العليا اقتداء بما هو متبع فى أغلب دول العلم التى لديها مجالس ومحاكم دستورية مستقلة، فرنسا وروسيا ولاتفيا وتركيا وإندونسيا وباكستان على سبيل المثال. 13ــ ويلفت النظر أن التنظيم المقترح فى مسودة الدستور يخلق وضعا متناقضا وتداخلا فى الاختصاصات، أو فى أقل القليل التباسا، بين المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض، ذلك أن المسودة، فى فصل السلطة التشريعية تعطى محكمة النقض الاختصاص بالفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان، فى حين أن المسودة ذاتها، فى نصوص المفوضية، تعطى للمحكمة الإدارية العليا الاختصاص بالفصل فى قرارات إعلان نتائج الانتخابات النيابية، والفصل فى صحة العضوية فرع من الفصل فى صحة قرارات إعلان نتائج الانتخابات، ومن ثم يتعين رفع التناقض وإزالة التداخل.

 

إن إنشاء المفوضية الوطنية للانتخابات تحد جدى، وهى تحتاج، خصوصا فى طور الإنشاء، إلى خبرات متميزة ومتعددة، فالأمر ليس بالبساطة التى قد يظنها البعض ممن لم ير سوى تجاربنا السابقة، ومن ثم يجب ألا يؤخذ بخفة وتسرع، ولا بد لنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فلا نعيد اختراع العجلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved