من حقك ألا تكون فقيرا

ريم عبد الحليم
ريم عبد الحليم

آخر تحديث: الجمعة 14 نوفمبر 2014 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

ماذا لو أغلقت كل الأبواب التى يستطيع الأفقر والأضعف توصيل أصواتهم وشكاواهم من خلالها؟ ربما السؤال الأكثر مرارة، ماذا لو لم نملك إجابة عن هذا السؤال نفسه؟ كيف نرى المستقبل؟ بل هل نراه من الأساس؟!

ليس هدفى من طرح هذه الأسئلة هو اللوم والتوجيه والعتاب، فلا مجال للاستعياب بالعقل والمنطق فى ظل «الهستيريا الحالية» على كل الأصعدة، ولكنها تساؤلات استوجبها السعى لإيجاد حل ومخرج من تردى أوضاع الأفقر بشكل خاص. ارتأيت جزءا من الحل رسم صورة أكثر وضوحا وتوحيد المفاهيم فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعلاقاتها بالفقر تحديدا.

مدخل الحقوق فى تعامله مع قضية الفقر يحمل اختلافا جوهريا فى نظرته لطبيعة النظام الاقتصادى بشكل عام ولإدارة الإنفاق العام بشكل خاص، فيتناول قضية الفقر فى إطار «من حق الإنسان ألا يكون فقيرا من الأساس»؛ وليس فقط «من حق الفقير أن يحصل على كذا وكذا».

•••

الحق، صفة لصيقة بالإنسان لكونه إنسانا، فهو غير مطالب بتبرير استحقاقاته؛ وحقوق الإنسان بطبيعتها:

• متكاملة وليست متنافسة فلا يمكن تصور الحق فى التعليم عالى الجودة دون الحق فى التعبير عن الرأى لتقييم الخدمة، أو حتى تصور المعاوضة بين الخدمة الصحية الفعالة وتحسين أجور الأطباء، أو التنافس بين حقوق العامل فى التنظيم والتفاوض والأجر العادل وحقه فى فرصة العمل ذاتها.. إلخ.

• شاملة وليست استهدافية أو انتقائية، فتدخل الدولة يكون لضمان استيفائها للجميع وليس لفئة دون الأخرى؛ أى تتدخل الدولة من منطلق أن تحديد الفئات المستهدفة يكون لأن هذه الفئات لا يمكنها النفاذ إلى حقوقها بما يستدعى تدخل إضافى ببرامج محددة، وليس من منطلق أن هذه الفئات فقط هى من يمكنها النفاذ إليه، على الرغم من خلل شامل فى المنظومة، هناك فرق.

• مستدامة وليست خيارا لحظيا قد تتخلى عنه الدولة فى وقت ما لأى سبب كان، فهو ليس ملك لها، ولا منحة تمنحها، بل صفة أصيلة من تكوين الانسان لأنه خلِق هكذا؛ وتغييب هذا الحق لأى زمن أو سبب يعنى التعدى على انسانيته.

• تتعدى فكرة السعى نحو تكافؤ الفرص بين ذوى نفس المؤهلات لتتساءل عن أسباب افتقاد البعض للمؤهلات والإمكانات من الأساس.

• ترتبط بالإنسان نفسه كفرد ومن ثم تصاغ مؤشرات قياسها من خلاله هو وليس من خلال قياسات جامدة حول مدى تحسين الظروف المحيطة به فقط. ففى إطار رسم استراتيجيتها للتنمية لابد أن تطرح الدولة تساؤلات تأسيسية مختلفة. فعندما تستهدف النمو من أجل توليد فرص العمل، لابد من طرح تساؤل أساسى وهو «هل فرص العمل المتولدة بالفعل تحمى المشتغلين من الفقر؟»، وعندما تتحدث عن انفاق عام على الصحة لابد أن تجيب المواطن على تساؤل مهم وهو «هل نظام الصحة الحالى بالفعل يحمى كل الانسان من خطر الوقوع فريسة لبراثن المرض دون مفر؟»، والتعليم كذلك، «هل التعليم بالفعل يسهم فى تحقيق الارتقاء فى السلم الاجتماعى ويستفيد منه الفقير مثل الغنى؟»، و«هل العائد على التعليم فعلا عادل للجميع»؛ أم أن هناك أية ظروف أو أسباب تجعل هذه المكونات التى تدخل ضمن الانفاق على البعد الانسانى فى الدولة أدوات تكريس للفقر وحمله عبر الأجيال؟!

•••

ويبقى تساؤلان مهمان، الأول: هل من الممكن أن يكون النظام قمعيا ومع ذلك يضمن الحقوق الاقتصادية للإنسان وحدها، أى دون حرياته؟ من الممكن فى حالة توافر موارد تسمح بتوزيعها بشكل يكفى قاعدة شعبية عريضة، ولكن من المستحيل أن يكون هذا الضمان مستداما، فاستيفاء الحق يتطلب تقييمه من المستفيدين، والأنظمة التى تغيب عنها قنوات التواصل الفعالة أقصى ما تستطيع تحقيقه هو إتاحة الخدمات العامة وتحقيق النفاذ لها، ولا يمكنها ضمان فعالية هذه الخدمات العامة لتبلغ مرتبة الحصول على الحق كاملا؛ ولو تراجعت الموارد وتصاعدت الشكاوى يكون البطش حاضرا.

السؤال الثانى، هل من الممكن أن يقوم النظام على عدم العدالة الاقتصادية ومع ذلك يضمن الحقوق الاقتصادية للإنسان؟ إن المنظومات الاقتصادية القائمة على عدم العدالة بطبيعتها تعتبر الجهد البشرى هو العنصر الذى يجب أن يبقى رخيصا، فهناك تنافس بين فكرة بقاء النظام بشبكاته وبين الحقوق بشكلها الكامل والجذري؛ فالحق يعبر عنه فى صورة منحة يمنحها النظام؛ فتزيد فى مجتمعات وتقل فى أخرى حسب توافر الموارد، ودرجة الديمقراطية «النظيفة» وقوة المؤسسات المدافعة عن الحقوق، ودرجة توغل شبكات المصالح فى السلطة؛ فهى ورقة فى يد السلطة والنافذين فيها من ذوى المصالح، قد تقل المنح حتى تقتصر على تقديم بعض برامج الرفاه الانتقائية أو التعديلات الجزئية، مثل العلاوات الجزئية كبديل عن إصلاح شامل فى هيكل الأجور بشكل يضمن مستويات كافية وعادلة للجميع، ومثل برامج التأمين والمعاشات الاستهدافية المحدودة لبعض الطبقات والفئات كبديل عن منظومة حقوقية كاملة، فتخفف من آلام النظام وتبقيه، ولكن بشكل يحول حق الانسان من حق أصيل، لمنحة ثم إلى مجرد رشوة أو أداة للتفتيت والتنافس على موارد «محدودة»؛ فلو تراجع النمو يصبح لزاما الاستغناء «السهل» حتى عن برامج الرعاية الانتقائية، فتصبح مجرد صور غير مفعلة.

فصمود أى منظومة اقتصادية غير عادلة أمام بعض المطالب المفتتة الضيقة بتحسين جودة الحياة ــ على الرغم من أهمية هذه المطالب ــ أسهل كثيرا من صمودها أمام رؤية لمنظومة حقوق متكاملة تتطلب تغييرات جذرية فى طبيعة إدارة الدولة.

•••

ربما تستدعى هذه الصورة تساؤلات جادة فى الحالة المصرية، عن أسباب التهديد بغلق مؤسسات المجتمع المدنى التى اشتغلت فى المجال الحقوقى، فلابد أن تساءل الدولة عن سبب رغبتها فى التخلص من هذه المؤسسات، على الرغم من وجود دستور اعترف بمجموعة من الحقوق وإن لم يطبق أو حتى يراعى أيا منها «بعد».

على أية حال، بعيدا عن المؤسسات والدستور، أيها المواطن إن لك حقوقا لأنك إنسان، ودون أى منها فسوف تكون فقيرا أو عرضة لنوع من أنواع الفقر.. ومن حقك ألا تكون فقيرا.. من الأساس!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved