سيكايو يا سيكايو!

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 14 نوفمبر 2015 - 11:45 م بتوقيت القاهرة

انت فى ميكروباس منطلق بأقصى سرعة. العربة مزدحمة بخليط من البشر، والسائق يبدو منتشيا. يزيد من ضغطه على مزود الوقود، فينطلق الميكروباس مترنحا بجنون متجها نحو حائط ضخم انتصب على البعد فى عرض الطريق.


ما هو شعورك فى هذه اللحظة؟ هل أنت متفائل أم متشائم؟


نحن هنا أمام سؤال جوهرى وسياسى بامتياز، يتكرر فى أحاديثنا، وفى الصحف، ووسائل الإعلام، وعلى مواقع الاتصال الجماهيرى لحصر البشر فى صنفين فقط: سلبى ردىء وإيجابى جيد.


دعنا ننزل قليلا من الميكروباس، لنبحث معنى التفكير الإيجابى فى مواجهة التفكير السلبى، بادئين بعلماء النفس والسلوك الذين كانوا يرون أن الإيجابية والتفاؤل مصطلحات هشة قد لا تؤثر كثيرا فى حياة الإنسان، فى مقابل مفاهيم أو سلوكيات مثل التصميم أو العزم والإرادة.


إلا أن عددا من الأبحاث المهمة غيرت نظرتهم بداية من منتصف الثمانينيات بعد أن وجدت ارتباطا وثيقا بين الإيجابية والتفاؤل، وبين تحسن الصحة والنجاح فى العمل والحياة.


باربارا فريدريكسون باحثة علم النفس فى جامعة نورث كارولينا قدمت منذ عامين دراسة ساهمت فى تفسير معنى الإيجابية أجرت فيها تجربة على مجموعتين من البشر. فى إحداها، «ولدت» مشاعر إيجابية عند مجموعة منهما بعرض مقاطع فيديو مبهجة، ومشاعر سلبية عند المجموعة الأخرى، بمقاطع تبعث على الخوف والقلق. بعدها طلبت الباحثة من أفراد المجموعتين أن يكتبوا بإسهاب عما يرغبون فى فعله.


أصحاب المشاعر الإيجابية كتبوا عددا كبيرا من الرغبات والاختيارات، فيما كانت اختيارات اصحاب المشاعر السلبية محدودة وأقرب للانكفاء والرغبة فى عدم الفعل. الإيجابية صحية ومفيدة لأنها توسيع للأفق، وتعدد فى الاختيارات، ورغبة فى الفعل، وإقبال على طرح الحلول والبدائل ورفض للاستكانة إلى الخوف.


سياق الخطاب المصرى بعيد تماما عن هذا الفهم، ويربط الإيجابية والتفاؤل بالاستكانة والقبول غير المشروط للسلطة ولقرارات الجالسين فى مقعد الحكم. وبمقتضاه أصبح النقد كآبة وسلبية، فى حين ارتبطت الإيجابية بالابتهاج المشوب بالثقة، بكل ما يفرض من أفعال وقرارات.


دعونا الآن نعود للميكروباس لنختبر الفرق بين ما وجده الباحثون، وبين المفهوم الرائج لدينا عن الإيجابية. عربتنا منطلقة بأقصى سرعة. البعض يصرخ مطالبا بتعديل المسار، بتخفيف السرعة، بإعادة النظر للخريطة، بتحديد الاتجاه، أو بتنبيه السائق للحائط المنتصب فى منتصف الطريق. فى حين تظهر السعادة والثقة على البعض الآخر ممن انهمكوا فى الرقص وارتفع صوتهم وهم يغنون «سيكايو يا سيكايو سواقنا مفيش زيو»!


الراقصون والمطبلون فى خطابنا السياسى والإعلامى هم الإيجابيون الذين أثبتوا حبهم للميكروباس وراكبيه بالغناء والهتاف. هم المخلصون له والمدفوعون بحبه للرقص على إيقاع القرارات السياسية. أما الآخرون فهم ليسوا إلا مجموعة من المتشائمين والسلبيين و«النكديين»، الكارهين للبهجة والفرح.


لو أعدت النظر فى الأمر، لتبين لك أن الأمر معكوس تماما. فالحالمون بالتغيير، والمطالبون بالانتباه لمخاطر الطريق، والداعون لاختيار مسار يحفظ أمن الميكروباس وسلامة ركابه هم الإيجابيون الباحثون عن بدائل.


أما الراقصون والهتيفة فهم السلبيون المتشائمون العاجزون. استكانوا لعدم الفعل لأنهم بين انتهازى منتفع، أو خائف مذعور، أُفهم بشكل ما، أن الميكروباس الطائش أفضل من غيره من العربات التى سبقته فى الارتطام، بنفس الحائط المنتصب فى عرض الطريق!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved