مظاهرة بأمر الحكومة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 14 نوفمبر 2016 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

لو أرادت الحكومة إجراء قياس دقيق لمدى قبول المصريين للقرارات الاقتصادية الأخيرة، فليس عليها سوى السماح لأفراد الشعب بالتظاهر لعدة ساعات فقط، فى أى يوم تختاره الحكومة، حتى تكتشف بنفسها حقيقة الأمر. فحتى الآن، يحاول الخطاب الرسمى إقناعنا بأن عدم تظاهر المصريين الجمعة الماضى فيما سمى بـ«ثورة الغلابة»، يؤكد رضاءهم عن هذه القرارات، وعن روشتة صندوق النقد الدولى لتحقيق ما يسمى بالإصلاح الاقتصادى!

ما لم تفهمه الحكومة ــ أو تتجاهل فهمه ــ أن مرور هذا اليوم بـ«سلام» بدون مظاهرات وبدون ثورة وبدون غلابة، لا يعنى أن المصريين يوافقون على سياساتها، فالغضب يجتاح الصدور، والأسعار ترتفع بمستويات فلكية، والتوقعات بحدوث فوضى فى مصر تتداولها صحف غربية وإسرائيلية وهى تطالب العالم بتقديم مساعدات عاجلة لمصر.

كل الدراسات الاقتصادية الجادة تؤكد أن الأسوأ لم يأت بعد، فعجز الموازنة العامة بلغ 13%، والدين الداخلى وصل إلى 100%، والديون الخارجية تعدت 53 مليار دولار، من المقرر أن يضاف إليها 21 مليار دولار بعد قرض الصندوق، و 25 مليار دولار أخرى لإنشاء محطة الضبعة النووية، مع وصول التضخم إلى 14%، وهى مؤشرات تؤكد صحة التوقعات بوصول الفقراء فى مصر إلى 70 مليون نسمة بعد أن كانوا 30 مليون فقط قبل ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية!

الخطير فى الأمر أن السلطة فى مصر تتخذ مثل الاجراءات الاقتصادية القاسية بطرق ملتوية وغامضة، لا تشرك الرأى العام فيها، وتقدم له وعودا يصعب تنفيذها، أو على الأقل لا تلزم نفسها بتحقيقها، فحتى الآن نحن لا نعرف أى شىء على الإطلاق عن خطة الحكومة لتحقيق الرفاهية الاقتصادية التى تعدنا بها منذ 3 سنوات؟ ومتى ستتوقف عجلة الفقر فى مصر عن الدوران؟ هل بعد 5 سنوات أو 20 سنة؟

السلطة فى مصر تتعمد مع سبق الإصرار والترصد تغييب الجماهير عن المشاركة فى صنع القرارات المصيرية، المظاهرات تم منعها، والبرلمان تم هندسته على المقاس المطلوب، أما الـ 90 حزبا التى تتواجد فى حياتنا السياسية فلا نسمع لها حس ولا خبر، كل ما تفعله هو إصدار بيانات التأييد أو الشجب للحكومة، ولا تحلم بتداول السلطة، بل ولا تسعى أصلا إليها.

الاتفاق مع صندوق النقد جاء بنفس الطريقة التى تم بها التفاوض مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ومع السعودية حول ترسيم الحدود البحرية، لم تحاول السلطة فى مصر فتح أى نقاش عام حول هذه القضايا، وحتى قرض الصندوق الذى يدفع الفقراء فاتورته الباهظة فرضته الحكومة علينا وكأنه قدر لا فكاك منه، رغم أن هناك العديد من البدائل التى كان يمكن تبنيها لحل أزماتنا المعيشية المتفاقمة، على رأسها فرض الضرائب على الأغنياء، ومنع استيراد السلع التى يتوافر لها بديل محلى، مع تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى، واتمام اصلاحات سياسية توفر الحد الأدنى من الاستقرار الذى يسمح بعودة السياحة والاستثمارات الأجنبية.

قد يكون الافراج عن الشباب المعتقلين خطوة جيدة فى طريق الإصلاح السياسى، ومع ذلك فإن إقدام الحكومة على اعطائهم الحق فى التظاهر السلمى طبقا لنصوص الدستور هو ضرب من المستحيل، رغم أن هذا النظام أصلا جاء للحكم عبر مظاهرات شعبية هادرة، واكتسب شعبيته من خلالها، بل واكتسب شرعيته أصلا منها.

شجاعة النظام الذى يقول أنصاره إنها تبدت بوضوح باتخاذه هذه القرارات الاقتصادية المؤلمة، رغم ادراكه انها تأكل من شعبيته، تفرض عليه أيضا أن يتخذ قرارات ديمقراطية شجاعة، ويسمح للمصريين بالتعبير بحرية عن رأيهم فى سياسات النظام وفى شعبيته!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved