حلم الإنسان لأخيه الإنسان

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الخميس 14 نوفمبر 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

«على سليم يحلم ببيت يحتويه هو وعائلته يكون هواؤه جميلا فى الصيف وغير مكتوم ويدفئهم فى الشتاء ويحلم بمكان جميل فى الهواء الطلق يستريح به ويدخن بعيدا عن أسرته وابنته الصغيرة هدى خوفا عليها. نورة تحلم بغرفة معيشة تحتضن العائلة وأن تكون هذه الغرفة مريحة وهواؤها جميل وتحلم بمطبخ بسيط ليس بمبهرج يكفى لوضع ثلاجه صغيرة وبوتاجاز وبه رف خشب تضع به الصحون وتسمح لها مساحته بالحركة بدون قيود. آيه حلمها سرير خاص بها حتى تنام بحريه بدون قلق أن يحدث شىء لأختها الصغيرة أثناء النوم ومكتب صغير خاص بها لتذاكر عليه بتركيز بعيدا عن ألوان وألعاب أختها. محمد حلمه سرير خاص به ومكتب يضع عليه الحاسب الآلى وحديقة صغيرة للعب كرة القدم».

كان هذا ما كتبه هشام بدوى ــ أحد طلابى فى استديو التصميم الأول فى إحدى الجامعات المصرية ــ والذى كان يهدف إلى مناقشة كيف أن العمارة تتبلور نتيجة الاستجابة الحساسة لفهم ليس فقط ظروف الموقع ولكن أيض لتركيبة وتطلعات المستخدمين.

كان التمرين هو تصميم وحدة سكنية لمحدودى الدخل (ممن يشكلون النسبة الكبرى من المصريين) فوق أحد أسطح مشروع إسكان حكومى محدد يقع فى مدينة السلام وكان تصورى أنه فى مواجهة قلة المتاح من الأراضى تمثل أسطح العمارات (خاصة ذات الثلاث طوابق) فرصة غير مكلفة للاستجابة لاحتياجات شريحة من المواطنين بتكلفة قد تكون مقبولة (فى إطار دراسة إنشائية لمدى تحملها بالطبع). وطلبت من كل طالب أو طالبة أن يحدد عائلة بعينها يعرفها وقد تريد الانتقال لهذا المكان. ولمعظمهم كانت العائلة تتمثل فى حارس العقار أو السائق أو عامل فى أحد المحال وعائلته. كما طلبت منهم تحديد أفراد العائلة واحتياجاتها وتطلعاتها بحيث يكون التصميم المقترح هو استجابة لذلك. وحددت لكل طالب أو طالبة مكانا خاصا به فى سطح عمارة محددة يستطيع البناء فيه وطلبت منه أيضا أن يوفر مكانا بالسطح لاستخدام سكانى العمارة.

وقامت الطالبات والطلاب بزيارة الموقع وأصبح لكل طالبة وطالب مكان متفرد له علاقة خاصة بالشمس والهواء وبما حوله فى الموقع من شوارع أو حدائق إن وجدت كما أصبح لكل طالب عائلة خاصة لها متطلبات مختلفة عن باقى العائلات. وطلبت منهم تصميم مسكن يشمل أقل مساحة مغطاة ممكنة لتفى باحتياجات العائلة.

وبعد زيارة الموقع ومناقشة ملاحظتهم عليه والاستماع إلى العائلة التى يقومون بالتصميم لها. طلبت من كل منهم أن يقوم بتصميم كل فراغ من فراغات المسكن من نوم ومعيشة وطعام على حدة بحيث يمكن تصور الأداء الأمثل للفراغ الذى يستجيب لاحتياجات الأسرة. وبعد ذلك قامت الطالبات والطلبة بمحاولات متعددة لنسج علاقة بين تلك الفراغات ومحددات وفرص الموقع من حيث موقع السلم وأماكن الصرف والتوجيه للرياح وأماكن شروق الشمس وغروبها وسخونتها. وكانوا يقومون بذلك بالاستعانة بنماذج مجسمة من الكرتون المقوى للمبنى القائم والورق الأبيض للمقترح. ثم فى النهاية طلبت منهم بلورة الرسومات المعمارية وخاصة المسقط الأفقى والقطاع ورسم أفراد العائلة المستهدفة وتحديد أسماء أفرادها. كما طلبت منهم صياغة تطلعات تلك العائلة وما أرادوا تصميمه فى صورة كتابة مبسطة قد تكون حلما. كما طلبت من كل منهم تسمية المشروع باسم رب العائلة التى يقومون بالتصميم لها وطلبت منهم كتابة ذلك باللغة العربية.

***
فى غمار حياتنا ومشاغلنا خاصة كمعماريين أو معماريات وبحثنا عمن يستطيع دفع أتعابنا كى نعيش حياة مقبولة يذكرنا هذا الحلم الجميل الحقيقى والملىء بالمشاعر الرقيقة والسامية بحياة ومعاناة مكونات رئيسية من الشعب والأهم أنه يذكرنا بالطابع الإنسانى لمهنتنا والتى يكاد البعض من فرط انشغاله بتصميم الفيلات والقصور أن ينساها.

كان الحلم الذى كتبه هشام بدوى بالنسبة لى حدثا سعيدا لأنه يعكس بصدق وببساطة كيف أن عائلة محدودة ذات أحلام بسيطة وتطلعات يحكمها خوف الجميع على الجميع وحب بعضهم لبعض حتى أن طموحاتهم كانت ألا يتسبب الأب فيما يؤذى صغيرته أو أن تطمئن الأخت وهى نائمة على أختها الصغيرة. وما كان أيضا جميلا أن الاستجابة المعمارية من هذا المعمارى فى طور التكوين (ومن عدة زميلات وزملاء له أيضا) كانت أيضا من البساطة وإمكانية التنفيذ ما يمكن أن يثير فى أنفسنا الحماس لهذا الفن الواقعى الذى يستطيع أن يحول الأحلام من خلال خيال مبدع إلى واقع لا يكون حكرا على البعض فقط ولكن يتسع للجميع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved