هى الست.. الله الله عليها

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 14 نوفمبر 2021 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

تململ هو بعض الشىء رغم أنهم قد حجزوا له على درجة رجال الأعمال فى تلك الرحلة من لندن إلى البحرين.. هو لا يحب الطيران منذ أن ترك مدينته بغداد بعد خروجه من السجن فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى.. كان شابا يتطلع إلى استنشاق الحرية بل عيشها مهما كانت قساوة الاستمتاع بها بعيدا عن وطنه.
•••
جاءته المضيفة الجوية لتسأله بلطف عن ماذا يحب أن يشرب ثم أن يأكل وكيف تستطيع أن تجعل من رحلته أكثر متعة.. فكر قليلا وأجاب «أن تجعليها أقصر». ضحكت هى وتصورت أنه لم يفهم السؤال ولكنه استرسل فى التوضيح والشرح حتى أطلعته على قائمة الأفلام والأغانى وغيرها من وسائل الترفيه المتاحة على متن تلك الرحلة.. خجل أن يقول لها إنه لا يحب أفلام الطائرات فيبدو أن الاختيارات تتم على تلك المواد والأفلام الأكثر رواجا بين العامة الأمر الذى كرهه منذ أن كان صغيرا يتعلم بعضا من الفكر الشيوعى الذى كان الأكثر إغراء بين الأفكار المنتشرة؛ فهو لا يستطيع أن يكون قوميا ولا ناصريا ولا بعثيا طبعا بعد أن عارض فكرهم منذ مراهقته، ولا ماويًّا ولا رأسماليا، رغم أنه يعشق عيشة الرفاه!
•••
شكرها بأدب وعمل على إنهاء المحادثة البليدة بعض الشىء.. قوائم الأغانى معظمها لمطربين حديثين وهو لا يعترف بأنهم يملكون أصوات من عشق فى سنوات صباه مثل ناظم الغزالى وفيروز وأسمهان.. بين كل الأسماء التى لا يعرفها كانت هناك قائمة طويلة لسلسلة أغانى السيدة أم كلثوم، أشاح بوجهه «أوف أنتِ وراى وراى منذ النكسة التى بررتى لها بأغانيك»!!! تذكر حواره مع تلك الصحافية الشابة المبتدئة والتى صدمته بعشقها لأم كلثوم ما أثار غضبه وراح يلقى بمحاضرة طويلة على الصحفية التى كانت ترى فيه أستاذا فى الصحافة والإعلام وعملت جهدها فى يوم لقائه أن تبهره بما قامت به وكيف تفهم هى الصحافة ودورها فى المجتمع إلخ إلخ ولكنه ركز فى حديثه على نصيحتها بأن تبتعد عن الأفكار المثالية وعن الموضوعية فى الإعلام فلا وجود لها سوى فى كتب كلية الإعلام للسنة الأولى!!! ثم وعندما تحدثا عن الغناء والفن احمر وجهه وهو يمنحها ما كان يتصور أنه خلاصة تجربته الطويلة فى الحياة وليس فى المهنة فقط.. وكان درسه الأول مكثفا ومركزا على كم عدائه لسيدة الغناء التى نصحها بالابتعاد عنها لأنها لم تفعل سوى أن ساهمت فيما قال عنه أنه «تخدير» العرب عندما كانت السماء تمطرهم هزائم وصوت العرب لا تتوقف عن بث الأغانى الحماسية لتلهم مشاعرهم الوطنية.
•••
سكتت بعض الشىء هى، ثم تستطيع أن تكتم خيبتها من ما قال فردت الحجة بالحجة ثم قالت له كيف لا تستطيع أن تستمتع بمزيج من أجمل ما قيل فى العشق والحب عند العرب مع أفضل الملحنين والموسيقيين الذين كانوا يصاحبون ذاك الصوت الذى لا يتكرر.. كيف؟؟ وجاءت بكثير من القصائد التى غنتها أم كلثوم من شعر أحمد شوقى (ولد الهدى وسلو قلبى) وأحمد رامى فى رباعيات الخيام إلى إبراهيم ناجى (الأطلال) ومن القدماء أبى فراس الحمدانى (أراك عصى الدمع) وغيرهم كثير وكثير... كانت الصبية تردد بعض الأبيات التى حفظتها عن ظهر قلب وتصورت فيما قاله ذاك الصحفى العريق صادما لكل ما كبرت عليه ولكل ما أحبته من بين كثير من الأمور.. انتهى لقاؤهما سريعا وبقى الوصال فيما بينهما حتى ضعف مع الزمن.
•••
أيقظته المضيفة الجوية من أفكاره وسرحانه لتقدم له الطعام والشراب.. وهو يعاين الساعة فى كل لحظة تلك التى بدت قد توقفت أو تحولت إلى التحرك ببطء. حتى أنه أحس أن الزمن توقف وكاد أن يصاب برهاب الطيران لولا أنه قرر أن يعيش اللحظات مع تلك الصبية عبر بضع أغانى الست.. فكان أن بدأ بـ«ألف ليلة وليلة» ومر عبر «ما دام تحب بتنكر ليه» ثم لم يتوقف حتى جاءه صوت يعلن الوصول إلى مطار البحرين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved