منتدى الأقصر.. التاريخ ودمع عيونهم

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 14 ديسمبر 2010 - 10:46 ص بتوقيت القاهرة

 لم تكن قد اعتادت هذا الكم من المختصين.. فقد كثر زوارها ممن هم باحثون عن التاريخ عن حضارات رسمت تجاعيد الزمن على كف صخرة أو نقشت حكايات فى أحشاء الأرض.. هم ممن يهوون المتاحف فما بالك لو تحولت مدينة بأكملها إلى متحف مفتوح.
بين النهر والنهر تربع ذاك التاريخ الساحر.. يشرح قصصا وحكايات.. ولكنها لم تكن قد اعتادت سوى هؤلاء وفجأة جاءها من يبحث ولكن فى الحاضر.. يرى ذاك السواد المعتم فى عتمة الحضارة الباهرة! كلما ازدادت اتساعا تلك المساحة المفتوحة على الكون انغمس بعضهم فى تحويل الضوء القادم معها إلى كثير من عذابات البشر.

هم التقوا فى الأقصر عاصمة المتاحف.. مدينة الكون المشرع الأبواب.. بين معبد ومعبد استقر معبد آخر.. لكل حجر حكاية بل ربما هى ليست بأحجار بل هى أسرار قوم كانوا.

فى الأقصر الساحرة التقوا ليتباحثوا فى أكثر الجرائم الكونية اليوم.. هم يأتون بقصص وحكايات نساء وأطفال من مدن الشمال والجنوب هم ضحايا لهذه التجارة الحديثة.. حديثة ربما إلا أنها تعود بنا إلى زمن العبودية الذى كان.

تلك التجارة الغارقة فى تاريخ البشر الآخر.. تاريخ لطالما أحببنا ألا يكتب أن ننساه.. ها نحن نعود له من جديد عبر حكايات وقصص.. هم رجال ونساء وشباب من مختلف الأعمار والتخصصات بعضهم من رجال المال والتجارة أيضا وآخرون ممن هم حملوا مسئوليات أن ينقلوا صرخات نساء وأطفال ورجال ليسمعها الكون.. وغيرهم من رجالات السياسة وصناع القرار ولم يفت الجمع أن يكون بينهم رجال فن مبدعون يرون أن لفنهم رسالة وعليهم مسئولية إيقاف هذه التجارة الحديثة.. الاتجار بالبشر.

وفيما التقوا بين ضفاف النهر والتاريخ كان آخرون بأكثر من عددهم يقعون ضحايا لشخص يتربص بهم لينقلهم من مكان إلى آخر إما بالإكراه أو التضليل أو الترهيب أو الإغراء والإغواء.. كلها أسباب والهدف واحد أن يتحولوا إما عبيد الزمن الحديث يعملون لساعات طويلة دون أجر أو بأجر ضعيف.. وكثيرا ما يتعرضون لعذابات مصاحبة لهذه الأعمال الشاقة.. هم الأضعف نهشهم الفقر وجعلهم أكثر هشاشة من عظامهم الطرية.. حولتهم لقمة العيش إلى القبول بأن يتحولوا أو يرسلوا بأطفالهم إلى المجهول.

هكذا تحدث القادمون من أطراف الكون عنهم.. تداولوا وحكوا قصصا وحكايات وطالبوا بتشريعات وقوانين وتطبيقات ورقابة و..و..و.. ووزعوا الأدوار بين الحضور.. كلكم مسئول.. بل كلنا معنى.. لا يمكن لأحد أن يقول لا دور لى سوى البكاء وتكرار «ما الذى أوصل البشرية إلى هنا؟؟» إلى هذا المدى من اللاإنسانية؟؟

هكذا عقد منتدى الأقصر لإنهاء الاتجار بالبشر.... وخلال يومين من المداولات تعرف المشاركون على حجم هذه الجريمة الحديثة.. عابرة الحدود.. هى التى لا تعرف بلدا صناعيا أو ناميا.. ولا تفرق بين مدينة وأخرى أو قرية وقرية.

شهدت معابد الأقصر وليومين على تاريخ جديد يكتب من قبل جمع لطالما تمنى أن يدون إشراقة جديدة تضاف إلى تلك التى رصت بين أحجار هذه المدينة المتحف.. سمع القادمون عن أنماط جديدة من الاتجار بالبشر وكذلك تعاريف بهذه التجارة تفصل على مستوى كل بلد.. فليس هناك نمط واحد أو شكل واحد بعد أن أصبح المتاجرون بالبشر أكثر من مجرمى المخدرات وغسل الأموال رغم أنه لايزال عقاب الأول أقل من الثانى ولا يتناسب مع حجم الجريمة فلا تصل نسبة من يتم عقابهم على جريمة الاتجار بالبشر سوى العدد الضئيل جدا.

وها هى الأقصر تعود لتستحم بماء النيل الصافى وتتمنى أن تغتسل مما علق بها من نقاشاتهم التى هى مزيج من الغضب والحزن.. ولاتزال همسات ضعيفة لنساء وأطفال تتردد من هنا وهناك لا تتوقف حتى بعد أن أسدل الستار على هذا المنتدى ويبقى التاريخ ليسجل دمع عيونهم

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved