الدستور الأمريكى ومشروع دستورنا المصرى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 14 ديسمبر 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

كان علينا أن نتبنى دستورا أمريكيا!

 

لا أتحدث هنا عن نسخ الدستور الأمريكى أو تمصيره، بل أقصد تبنى روحه ومبادئه، وأن نحاول أن نقترب من وطنية من كتبه فيما يتعلق بتغليب الصالح العام على المصالح الضيقة. كذلك أن نأخذ فى الحسبان الخصوصية المصرية كما فعل الأمريكيون منذ 230 عاما عندما راعوا خصوصيتهم الأمريكية.

 

•••

 

ورغم حداثة الدولة الأمريكية، إلا أنها تمتلك أقدم دستور مكتوب فى العالم، والدستور الأمريكى هو أكثر الصادرات الأمريكية شعبية وأقدمها إذ كتب عام 1787 على يد 55 شخصا يطلق عليهم «الآباء المؤسسون». واقتبست العديد من دول العالم مثل البرازيل وبلجيكا والنرويج واليابان والمكسيك، خبرة كتابة دساتيرها مهتدية بالتجربة الأمريكية.

 

لم يكن الدستور الأمريكى وثيقة طويلة، ومع ذلك وفر إطار عمل لأكثر أنظمة الحكم تعقيدا. وجاء الدستور الأمريكى مختصرا خاليا من العبارات اللغوية عديمة الجدوى، يحتوى فقط على 7 مواد، تتضمن بدورها 36 فقرة، ويصل مجموع كلماته  3520 كلمة (ما يقرب من خمس صفحات). حتى بعد إضافة 27 تعديلا عليه خلال القرنين الماضيين، وكان آخرها عام 1992، لم يزد عدد كلماته عن 6500 كلمة (عشر صفحات تقريبا). فى المقابل يأتى الدستور المصرى المقترح فى 10265 كلمة (خمسة عشر صفحة تقريبا) من خلال خمسة أبواب تتضمن 25 فصلا وفرعا واجماليهم 236 مادة.

 

كان التوصل إلى إجماع حول بعض بنود الدستور الأمريكى أشبه بالمستحيل فى حالات عديدة، وعلى سبيل المثال رأى بعض المندوبين أن الشعب الأمريكى ليس لديه الدراية الكافية لحكم نفسه أو اختيار حكامه، لذا عارضوا أى نوع من الانتخابات الشعبية! وكلما ناقشوا نقطة جديدة حدثت انقسامات أكبر، إلا أنه تم حل كل الانقسامات عبر التسويات المتوازنة.

 

وبعد الانتهاء من كتابه الدستور، وبعد انتهاء عملية المصادقة عليه والتى استغرقت عاما كاملا، شعر الأمريكيون أن هناك غيابا لعنصر جوهرى، ألا وهو عدم حماية الدستور للحقوق الفردية. لذا فبمجرد عقد أول اجتماع للكونجرس فى تاريخ الولايات المتحدة عام 1789 بمدينة نيويورك، اتفق المشرعون على إدخال تعديلات عشرة على الدستور عرفت «بوثيقة الحقوق» Bill of Rights.

 

مشروع دستورنا المصرى به الكثير من الألغام التى تجنبها الأمريكيون من أجل ان تندفع دولتهم للأمام. إلا ان اللجنة التأسيسية التى وضعت مشروع الدستور المصرى ضمنته مواد لن ينتج عنها سوى وضع قيود على الحريات، وفوضى تحت عباءة سيادة القانون.

 

•••

 

ارتكز الدستور الأمريكى على مبادئ وأسس عملية تدعم قيما سامية مثل سيادة الشعب، سيادة القانون، تغليب المصالح العامة. إلا أن مبدأى «الفصل بين السلطات» و«تقديس الحريات الفردية» يمثلان أبدع ما توصل إليه الآباء المؤسسون. مشروع دستورنا يضع قيودا متنوعة على الحريات الشخصية، بما يفتح الباب أمام تقويضها. كما أن الزج بالأزهر كمرجعية دينية يهدر دولة القانون، إضافة إلى أن وجود بنود تبيح المحاكمات العسكرية للمدنيين فى الدستور يتنافى مع أسمى المبادئ الدستورية المتعارف عليها عالميا وهى حق كل مواطن ان يحاكم أمام قاضية الطبيعى.

 

مبدأ الفصل بين السلطات بصورته الأمريكية الصارمة هو ما قد نحتاج إليه فى هذه اللحظة من تاريخنا. ويعد مبدأ الفصل بين السلطات أهم مبدأ تحتاجه دولة لها تراث استبدادى كبير كالدولة المصرية. وإن أحسن تطبيق هذا المبدأ نكون قد ضمنا حسن سير مصالح الدولة وكذلك ضمان حريات الأفراد ومنع التعسف والاستبداد من أى سلطة. ويمنع الفصل بين السلطات ان تجتمع مختلف السلطات سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى قبضة يد شخص أو هيئة واحدة ولو كانت تلك الهيئة هى الشعب ذاته، أو كانت الهيئة النيابية ذاتها. ويصاحب مبدأ فصل السلطات وضع معايير موضوعية متوازنة للتعاون بين السلطات. إلا أن كاتبى مشروع الدستور اختاروا أن يسمحوا بتغول السلطة التنفيذية، وغياب الرقابة البرلمانية على أنشطتها.

 

ويظهر هذا بوضوح فى منح الرئيس حقا مطلق فى الدعوة للاستفتاء، وبالتالى إهدار دور البرلمان المنتخب وإضعاف الحماية الدستورية للحريات والحقوق.

 

•••

 

ومصر، التى تمر حاليا، كدولة وكثورة وكمجتمع، بمرحلة مخاض حرجة تتطلب منا النظر والاقتداء بتجارب دول نجحت ثوراتها ونجحت تجربتها الدستورية فى خلق إطار قانونى دستورى يحافظ على حقوق الجميع سواء مثلوا الأغلبية أو الأقليات. يشهد التاريخ من حولنا تجارب ثورية جاءت نتيجة وجود استبداد داخلى أو وجود احتلال خارجى، وبعد نجاح الثورات الشعبية لم يتحقق بالضرورة هدف إقامة دولة عدالة ومساواة وحريات ومؤسسات.

 

وقد وصف السياسى البريطانى وليم جلادستون الدستور الأمريكى بأنه «أروع عمل أنتجه دماغ وهدف بشرى»، لذا يضع الشعب الأمريكى دستورهم فى مكانة الكتب السماوية المقدسة، وفى عالم متغير يتحرك بسرعة لا يملك الشعب الأمريكى شيئا أثمن من هذه الوثيقة العظيمة.

 

ما تحتاجه مصر الآن هو تطبيق لعدد محدود من المبادئ العالمية السامية مثل «الفصل بين السلطات» و«الحريات الشخصية» و«حقوق المواطنة» مع الالتزام بمنع طغيان الأغلبية، ومواجهة تعسف الأقلية، بما يحقق توازنا مقبولا بين الأغلبية الحاكمة وبقية الشعب المصرى فى الحاضر والمستقبل، وأن توفر ضمانا ضد أى استبداد الآن، ولعقود قادمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved