لا تحذف ماضيك الرقمى

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الإثنين 14 ديسمبر 2015 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة نيو ريبابلك الأمريكية مقالاً للكاتبة «نافنيت ألانج»، المتخصصة فى ثقافة التكنولوجيا، توضح من خلاله موقفها من فكرة محو ما كتبه الأفراد فى الماضى على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى، مبينة أنه يعبر عن جزء من حياة الفرد ولا يمكن حذفه. حيث توضح ألانج أن العالم يعيش حياة مزدوجة؛ على الإنترنت وخارجها، ويشكل كلاهما الحنين إلى الماضى. ففى الحياة الواقعية، هناك الصور والأماكن القديمة. وعلى الإنترنت، توجد المواقع المغلقة وموضوعات الفيس بوك القديمة. وتعيش موضوعاتنا العامة على شبكة الإنترنت، إلى أن نقرر حذفها. ويبدو محو كل شىء وكأنه من أعمال الشجاعة الهائلة، باعتباره المعادل الرقمى للانتقال إلى مدينة جديدة، أو الحصول على جنسية جديدة. فماذا يعنى أن تحذف نفسك.. ومن ستكونه عندما تفعل ذلك؟

وتشير ألانج إلى ما يراه كل من العالم جون هيرمان والكاتب هالى ملوتك، وكل منهما حذف تغريداته على تويتر، وأن ما فعلاه يرجع فى جزء منه إلى الرغبة فى التخلص من الماضى، ولكن أيضا للإقرار بأن الماضى يبدو مختلفا، بل صعبا الفهم، عندما ننظر إليه من موقعنا فى الحاضر. وهناك أيضا الرغبة فى التعتيم على خبرات التجريب والملاحظة فى سبيل البحث عن الذات. وهذه كلها أسباب قاهرة. وتشعر ألانج بالنفور من محو أى من كتاباتها على وسائل التواصل الاجتماعى كما لو أنها حذفت حتى أشياء غير ذات الأهمية من حساباتها على تويتر أو إنستجرام يعنى فقدان جزء من نفسها.
فالإنترنت يمثل «قماشة» خلق الذات. ويعتبر ما يبنى على الإنترنت ــ الهوية ــ هى هوية مصنوعة للاستهلاك العام. غير أن هذه الشخصيات، التى تتحدث بالنيابة عنا لا تخضع لسيطرتنا. وهو ما يعنى أن محو كل شىء، وسيلة لاستعادة السيطرة على الطريقة التى يتم بها فهمنا، أى أنها وسيلة لنبدأ مع قماشة جديدة.
***
وتبين ألانج أنه قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، كان الفنانون والمشاهير، وحدهم، من يضطرون للتعامل بحذر مع صورتهم العلنية. كان الشخص المشهور كتلة من الأعمال، ونص ذاتى يمثل جزءا منه ولكنه لا يمثله بالكامل؛ فهو مزيج من الوجود المادى ومجموعة متناثرة من الصور، والفيديو، والكلمات. أما الآن فعلى حد تعبير الكاتب ريكس سورجاتس عام 2008، نحن جميعا مشاهير صغار: فنحن عبارة عن ممثلينا ومديرى العلاقات العامة العاملين لحسابنا، نتكون من الجسد وصور دقيقة عديدة.
ولكن هناك بعض من ينظرون إلى صورتهم العلنية بشكل مختلف، أو يولونها أهمية أكبر من أولئك الذين لا يجدون فرصة مماثلة للتواجد فى الأماكن العامة؛ المهمشون من مختلف الانتماءات العنصرية والعرقية والجنسية وغيرها. وكما يرى الكاتب جونو دياز، أن من ينتمى لأقلية يشعر فى كثير من الأحيان وكأنه مصاص دماء، ليس لديه ما يعبر عنه فى العالم الأوسع. حيث أن كونك لا ترى نفسك يمكن أن يجعلك تشعر ليس فقط بأنك غير مرئى تماما، ولكن بأنك شاذ عن السائد، بطريقة أو بأخرى.
ولا تستغرب ألانج أن تتجه مختلف الأقليات إلى العالم الرقمى. ليس فقط لأنه يوفر منبرا للتعبير، لكنه يقدم أيضا فرصة للتمثيل، فرصة لرؤية الذات فى المجال العام. فعندما تجد أن وسائل الإعلام والثقافة السائدة تتجاهل غالبا من يشبهونك أو يتحدثون أو يفكرون مثلك، تكون الهوية على الانترنت استجابة شخصية لما هو غير موجود فى المجال العام، تدعم على نطاق ضيق ما هو مفقود من الصورة الكلية.
ولعل هذا هو السبب فى رفض ألانج لفكرة الحذف. فربما تتعلق المسألة بما إذا كان الشخص يجد التحقق فى مكان آخر؛ سواء كان فى حياته الاجتماعية، أو حياته العامة، أو على وسائل الإعلام. ولكن، قد يكون الأمر أبسط من ذلك، ربما يكون مجرد تذكير لنفسك بأن تجربتك الموضوعية حقيقية وتستحق الثقة؛ ويعتبر ذلك نعمة بالنسبة للملونين، الذين يعيشون فى عالم من البيض.
ويعتبر ما يوضع على الإنترنت، أداء يمثل هوية صاحبها وجزء منها. فعند خلق الشخصية الافتراضية، يتم توسيع نطاق الذات، وتشكيل ذات «إنترنتية» جديدة. وربما أضفى الإنترنت سمة ديمقراطية على عملية التحول إلى ذات. وربما تقترب مسألة محو الماضى الرقمى بالنسبة للبعض ــ من يعانون غالبا من عدم التحقق فى العالم الواقعى ــ من محو أنفسهم. فعندما تكون مهمشا، لا يمكن أن ترى نفسك إلا فى فعل الخلق الذاتى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved