التشريع فى قبضة السياسى ــ الدينى ــ الأيديولوجى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 14 ديسمبر 2019 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تتحدث فيه عن الأوضاع فى تونس بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة موجهة انتقادات لحزب «النهضة» بسبب سياساته وطريقة إدارته للأمور.. ونعرض منه ما يلى:

إذا انطلقنا من فكرة متداولة بين التونسيين قوامها أنّ انتخابات 2019 تمّت على قاعدة التأديب والعقاب فإنّ المتوقّع هو تمكّن «الناجحين» فى الانتخابات التشريعية من استخلاص الدروس من التجارب السابقة، وسعيهم إلى تحسين الأداء والخطاب والاستراتيجيات وتفادى كلّ ما من شأنه أن يسىء إلى صورتهم وشعبيتهم.. ولكن يبدو أنه ليس بالإمكان تصوّر كتل برلمانية قادرة فى مستقبل الأيام، على أن تكون فاعلة ومسئولة وفى خدمة الشعب بعيدا عن إملاءات الأيديولوجيا والمصالح الفردية أو الحزبية وغيرها.

فماذا ننتظر من حزب تقلّص عدد أتباعه بسبب اتخاذه النهج «التحديثى والمدنى والتونسيّ»؟ هل يتمادى فى إعلان مواقف تتماهى مع المنظومة الحقوقية (كاعتبار «الغنوشى» المثليّة اختيارا جنسيّا يندرج فى إطار الحقوق الفردية)، ويستمرّ فى استقطاب الشقراوات لابسات «الدجين الممزّق»؟ و... لا بالطبع ففى السياسة ينبغى أن نحسب كلّ خطوة وأن نقدّر النتائج المترتبة عن اتخاذ مواقف واختيارات معينة ولذا كان لابدّ من الإصغاء إلى أصوات شقّ «الصقور» والخضوع لمطالب «المناضلين» الذين عاشوا تجربة السجن والتعذيب وشتان بين المنفى والنضال الـ Soft وبين المواجهة على أرض الميدان مع النظام القمعى. ووفق هذا الطرح كان لابدّ من إيجاد جناح يعضد «النهضة» فى عمليّة التحليق فى سماء السلطة «ائتلاف الكرامة» لاسيما بعد أن كسر «النداء» وكان لابدّ من إحياء مفاهيم ومطالب توحى بأنّها مندرجة فى إطار نمط الحكم الإسلاميّ.
وبناء على ذلك عدنا إلى مبدأ «الإسلام هو الحلّ». فكلّ مشاكل البلاد (البطالة، الهجرة اللا نظاميّة، الجريمة، العنف...) وأزماتها الاقتصادية يمكن أن تحلّ، حسب النهضة وأتباعها، باستحداث صناديق الزكاة. ومرّة أخرى ها نحن نرجع إلى نقاشات تدور فى فلك الدينيّ فالزكاة ركن رئيسيّ فى الإسلام، والأخوة فى الإسلام تقتضى مؤازرة الفقراء والمساكين، والرحمة بين العباد مطلوبة، وعاد الحديث عن الحلال والحرام.
غير أنّ الملفت للانتباه هو النقاش الّذى جاء بعد نتائج التصويت إذ انطلق عدد من النواب فى الاستنجاد بالله: «سبحان الله، حسبنا الله ونعم الوكيل»، بينما انبرى أنصار تأسيس صندوق الزكاة فى التخطيط لاستراتيجيات مستقبلية كاعتبار نور الدين الخادمى أنّ «الدوام ينقب الرخام» محاكيا بذلك الاستراتيجية البورقيبية. ولم يتوّقف الأمر عند هذا الحدث إذ ذهب عدد من المنضوين تحت حزب النهضة أو الشقّ الإسلامويّ إلى استرجاع حادثة منع عدد من القبائل منح الزكاة إلى أبى بكر الصديق. ونذهب إلى أنّ تفعيل الذاكرة الجمعية واسترجاع الأحداث التاريخية يقترن بحكم «تشريعى» وهو اعتبار من منع الزكاة مرتدّا يجب إقامة الحدّ عليه.
يغدو الاعتراض على مقترح صندوق الزكاة إنكارا لركن أساسيّ من أركان الإسلام ورفضا لتطهير النفس، ويستغلّ هذا التحليل لإصدار خطاب ترهيبيّ قبل التصويت ثمّ لإنتاج خطاب تكفيريّ بعد رفض المقترح (عادل العلمى وآخرون). وفى المقابل يتحوّل التصويت على المقترح إلى مثابة إعلان صريح على قبول تحكّم الحزب الفائز بامتياز «فرض أيديولوجية حزب على شعب كامل» ومنحه امتيازات لجهات متعدّدة لم يتّضح معيار اختيارها. جاء فى المقترح أنّه يجب إنشاء هيئة لتسيير الصندوق متكوّنة من ممثل عن هياكل حكومية مالية ودينية (دار الإفتاء)، وجامع الزيتونة وخاصّة «جمعية علوم الزكاة».
وعندما يمتزج الدينيّ بالسياسيّ وبالأيديولوجى تتغيّر ملامح الدولة من دولة لها واجبات تجاه مواطنيها بقطع النظر عن الجنس والعرق والدين... إلى دولة المنّ على الفقراء (مثلما كان بن عليّ يفعل) ودولة التصدّق على الرعيّة، ويصبح واجب دفع الضرائب شكلا من أشكال الخضوع للحزب أو البحث عن الأجر والثواب.
ونقدّر أنّ المقترحات المرتبطة باستعادة أنموذج الدولة الإسلامية المتخيّلة ستتكرّر. فالخواء على المستوى السياسيّ، ومحدوديّة الثقافة السياسية يدفعان بفئة من النوّاب إلى الاحتماء بعباءة الإسلام لسدّ الثغرات وانتزاع الاعتراف، بينما يقبل البعض الآخر على استقطاب الغاضبين وإعادتهم إلى الحضيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved