عرافة كل الأسرة

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 14 ديسمبر 2019 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

يوم عاصف، لكن رغم سوء الأحوال الجوية والأتربة والأمطار حرص جميع أفراد العائلة وأصحابهم المقربون على حضور عرس ابنة العرافة التي تتردد على منزلهم بصفة دورية، بل تكاد تكون شبه مقيمة. هي تطمئن القلقين على مصائرهم، تبصر لهم ما الذي يجب أن يفعلوه لكي يظلوا على قائمة الأغنياء وتلقي عليهم وعلى أطعمتهم التعاويذ. وبما أن ضيوفهم غالبا من علية القوم ونجوم الفن والمجتمع فدائرة معارفها هي شخصيا اتسعت بشكل لافت، وهو ما ظهر بوضوح خلال حفل العرس الذي أقيم في أحد الفنادق الكبرى بكل مظاهر الترف المصاحبة عادة. صارت هي أيضا نجمة يتناقل اسمها البعض، حتى لو لم يكن سهلا عليها في البداية التعامل مع طبيعة عملها. كان ذلك دائما شيئا يحيرني: كيف يتعامل الوسطاء الروحانيين والعرافين وخلافه مع ظروف شغلهم؟ هل يمكنهم التنبأ بأمورهم الخاصة أم تنطبق عليهم أكثر من غيرهم مقولة "لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع"؟ هل يتقبل ذويهم الوضع، فتتباهى الابنة مثلا بعلاقات أمها ومواهبها؟ هل تؤثر قدرتهم على التبصير والتنجيم، إذا ما صدقت، على حياتهم؟
قطعا هي طبيعة حياة غريبة، لكن صاحبتنا تأقلمت معها بما أن العائد مجزي ورفعها من مكانة إلى أخرى. اعتادت أن تستمع لحكايات الزبائن الذين صاروا ضمن الأصدقاء، أن تكتم أسرارهم وتسهل عليهم الأمور، أي أن جزء من دورها يرتبط بكونها خبيرة تنمية بشرية وأخصائية في شؤون الدنيا، وربما نصابة ذكية ومحترفة أحيانا.
***
لا توجد لدي أرقام تدل على حجم بيزنس التنبؤات في مصر والعالم العربي، فليس في مقدور كل الأسر أن يكون لديها عرافتها الخاصة كما بدأت الحكاية، ولا هو دارج ولا مطلوب، لكن من اللافت أنه رغم مظاهر التدين الواضح هناك عدد متزايد ممن يحترفون التنبأ بالمستقبل ويقرأون الطالع على الإنترنت، فبمجرد الدخول على اليوتيوب تظهر إعلانات قنوات التاروا المختلفة وقراءة الطالع للعام الجديد. تتنوع لهجات القائمين على هذه القنوات وجنسياتهم، رجال ونساء، وإن غلبت النساء. تصبغ الأخيرات أظافرهن وتزين بعضهن اليدين بالحنة والنقوش. تتفنن في وضع كروت الكوتشينة أو الفنجان على مفرش مزخرف. تشعل البخور وتضيء الشموع، رغبةً في إضفاء أجواء روحانية "مبتذلة" بعض الشيء. تطالب صاحبة الأظافر الصناعية المطلية بألوان صارخة المهتمين بالاشتراك في القناة، لكي تصلهم الأخبار أولا بأول، وهو ما يتكرر في الفيديوهات الناطقة بلغات أجنبية أخرى، فهذا الولع بمعرفة المستقبل ليس حكرا على هذه المنطقة من العالم، بل هو أمر شائع منذ القدم. يستهوي الإنسان دوما كل ما هو غامض ومجهول. يجري وراء ما لا يعرفه.
***
في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يقدر حجم سوق التنبؤات بحوالي 2 مليار دولار سنويا، وفي فرنسا ارتفع إلى 3 مليار يورو، في ظل وجود مئة ألف عراف يزاول المهنة بشكل محترف. وتلك مجرد مؤشرات تدل على انتشار مثل هذه الممارسات، خاصة في المدن الكبرى التي تقسو على أهلها فتجعلهم في حاجة ماسة إلى من يطمئنهم، وقد ابتعدوا عن الدين وتضاعف شعورهم بالوحدة والقلق. وبالتالي هم يلجأون إلى العرافين بنفس وتيرة الأطباء النفسيين، هذا على الأقل هو ما تشير إليه الدراسات خلال العشرين سنة الأخيرة. وقد زاد الإنترنت من سهولة الأمر، كما روج لبعض حالات النصب والتسلية الخالصة، فليس هناك ما يقنن ظهور هؤلاء أو يساعد على فرزهم.
ويزداد الولع بالغيب في حالة المشاهير سواء من الساسة أو أصحاب المال والأعمال أو الفنانين. ربما لأن هناك فئة أخرى ليس لديها ما تخسره أو لا تملك ما تدفعه لكي تستطلع المستقبل. مثلا معروف أن نابليون بونابرت كان يلجأ إلى عرافة خاصة، وهي الآنسة لونورمان، التي حكم عليها بالسجن مدى الحياة لأنها تنبأت بالمصير المؤسف لبعض وجوه الثورة الفرنسية مثل مارا ودانتي وروبسبيير. والجنرال دي جول رغم قوته إلا أنه اعتمد هو الآخر على نصائح عالم الفلك نفسه على مدار عشرين عاما، أما فرنسوا ميتران فكان يثق في منجمة شهيرة، وهي إليزابيث تيسيه، التي نشرت بعد وفاته عام 1996 بعض ما تبادلاه من رسائل تدل على استشارته لها هاتفيا خلال حرب الخليج في 1991، لكي يعرف أفضل الأيام للمشاركة في الحرب بما أنه مضطر لخوضها، كما سألها عن الطالع الخاص بجورج بوش وهيلموت كول وصدام حسين خلال هذه الفترة. كذلك فعل فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية ورونالد ريجان الذي تعرض خلال فترة ولايته للعديد من الفضائح ومحاولات الاغتيال التي تغلب عليها بمساعدة عرافة باسم جوان كيجلي كانت تعيش في سان فرانسيسكو. وينطبق ذلك أيضا على فنانين مثل مارلين مونرو وجورج كلوني وجوينيث بالترو وبراد بيت وعدد من ملوك بورصة الأوراق المالية في نيويورك، الذين تهافتوا على منجمة تدعى "فهروشة" وصلت إلى عز شهرتها خلال الأزمة المالية العالمية سنة 2008. أما عندما صعد ترامب إلى سدة الحكم فكان بعض أصحاب المصالح على وشك الانهيار، هرعوا فورا إلى المنجم فرانك أندروز ليهدأ من روعهم وبكوا بين ذراعيه، كما روى في الصحف. الخوف مما هو قادم قد يحقق مجد الآخرين، وهو ما يحدث في حالة المنجمين حتى لو لم يصدقوا، فيتحول أشهرهم إلى مؤسسات كاملة تدار بأحدث الوسائل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved