الجريتلى على منصة التكريم
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
شعرت بسعادة كبيرة وأنا أقرأ اسم المخرج المسرحى حسن الجريتلى ضمن المكرمين فى الدورة الحالية لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبى،
والسبب الرئيس وراء سعادتى شعورى بأن التكريم يذهب أخيرا لمن يستحقه، فالجريتلى مؤسس فرقة مسرحية ملهمة هى فرقة الورشة) التى تطورت عبر السنوات لتصبح كيانا مسرحيا فريدا، وهو أيضا ناظر مدرسة كبيرة فى الإدارة الثقافية راهنت على الاستقلال ودفعت ثمنا كبيرا للحفاظ على هذا الرهان،
امتلك الجريتلى منذ بداياته رؤية مهمة فى التعامل مع التراث وأشكال الفرجة الشعبية وهى تحتاج لدراسة منصفة بل أتمنى أن تكون موضوعا للندوة التى تصاحب مراسم التكريم.
ويبدو الجريتلى لمن يعرفون تجربته عن قرب مثل (جواهرجى) حقيقى يصل للموهبة ويعمل على صقلها وإعدادها قبل أن تخرج للناس فى صورتها النهائية، وبفضل هذا الوعى خرجت من الورشة مواهب تمثيلية كبيرة بحجم أحمد كمال وسيد رجب وعبلة كامل ومحمد عبدالعظيم وعارفة عبدالرسول إضافة لجيل دنيا ماهر ومحمد عادل وفاطمة عادل وهناك الكثير من المواهب التى رحلت دون أن تكمل رحلتها مثل فانيا ومدحت فوزى ورمضان خاطر، وبخلاف الممثلين هناك مواهب أخرى غطت مختلف العناصر المسرحية ومعهم عشرات الموسيقيين والمغنيين ولاعبى الأراجوز الذين عملوا مع الفرقة سواء فى القاهرة أو ألمنيا ومعهم مصمم المناظر المسرحية المتميز الفنان طارق أبو الفتوح.
وعلى الرغم من الانتقادات التى لاحقت الجريتلى بسبب اعتماد فرقته على التمويل الأجنبى إلا أن (الورشة) استطاعت بفضل هذا التمويل الصمود فى وجه العاصفة لأكثر من ٣٠ عاما وبفضل إصرار فنانيها تمكنت من أن تحافظ على استقلالها وتواصل العمل فى المسار الذى اختارته منذ البداية ولأن العبرة بالنتائج فقد بات من الصعب الإصرار على اتهام الفرقة بتبنى الرؤى الاستشراقية فى أعمالها وهى التهمة التى لاحقت الفرقة عند بدايتها لكنها لم تعد ذات قيمة الآن حيث تبلورت رؤى الفرقة وأساليب عملها بوضوح.
يعرف القاصى والدانى أن الاعتماد على التمويل الأجنبى ليس خيارا سهلا بل هو الخيار الأصعب الذى يظهر كخيار وحيد بعد أن توصد أبواب التمويل المحلى ولدى الجريتلى خبرة فى التعامل مع وزارة الثقافة حين استدعاه الوزير فاروق حسنى لإدارة مركز الهناجر عند تأسيسه وهى تجربة قصيرة دفعت الجريتلى للعودة لرعاية مشروع فرقته عملا بقاعدة (يا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسلك).
وسار مشروع الفرقة التى قدمت أعمالها فى أغلب مهرجانات العالم فى مسارين رئيسيين، الأول محاولة خلق إجابة عن تساؤلات توفيق الحكيم حول قالبنا المسرحى وأفكار يوسف إدريس حول الحاجة لوجود مسرح مصرى يستثمر فى أشكال الفرجة الشعبية وينميها وهذا بالضبط ما فعلته الورشة فى اشتغالها على حكايات السيرة الهلالية وأنماط الحكى الشعبى وسرد الحياة اليومية، أما المسار الثانى فاعتمد على تمصير نصوص عالمية وتقديمها فى قالب ينسجم مع المسار الأول وبلغت الفرقة أقصى درجات النجاح بتقديم عرضها الفذ (داير داير) الذى أعده خالد ونجيب جويلى عام ١٩٩٠ عن ثلاثية (أوبو) لالفريد جارى وشخصيا أدين لهذا العرض بالكثير مما أعرفه عن فن المسرح فقد كان أول عرض مسرحى أشاهده حيا، بل شاهدت جميع عروضه فى حديقة المركز الثقافى الفرنسى ومن يومها ارتبطت بعروض الفرقة وانتميت إليها وصارت جزءا من تكوينى الوجدانى وصاغت وعيى بالمسرح الذى لا يزال فنا أثيرا عندى.
وبخلاف (داير داير) قدمت الفرقة عروضا أخرى منها (المستعمرة التأديبية) لكافكا، لكنها مع عرض (غزير الليل) عام ١٩٩٣ بلغت سقف طموحاتها فى ابتكار شكل مسرحى مصرى خالص يقوم على مسرحة (السيرة الهلالية) وفى السياق ذاته نجح الجريتلى فى العمل مع فرق الأراجوز ولاعبى التحطيب وحافظ على أشكال من الفرجة المسرحية كانت مهددة بالاندثار وبالتالى لعب دورا مبكرا فى التنبيه مع آخرين بينهم أحمد إسماعيل وحسن الوزير ــ الذين أخلصا للثقافة الجماهيرية ــ فى مخاطر التخلى عن أشكال التراث المادى واللا مادى وعمل على إحياء الكثير من الفنون القولية الأدائية بفضل مراحل العمل على جمع الحكايات الشعبية وأصوات الحياة اليومية وتوثيقها.
وبعد أربعين عاما من العمل يمكن الاختلاف أو الاتفاق حول تجربة الجريتلى إلا أن الأمر المؤكد أنها تجربة بملامح واضحة ولا يمكن النظر لها كمحطة عارضة أو قفزة فى الهواء بل هى مشروع فنى جدير بالتقدير والتقييم ويكفى صاحبها أنه ألهم الفرق المسرحية الحرة فى مراحلها الأولى ويكفيه أيضا أنه أعطى دفعة لأجيال جديدة جاءت بعده وسعت قدر الإمكان لتمثل تجربته أو تجاوزها ومن بين هؤلاء الراحلين منصور محمد ومحمد أبو السعود والصديق الرائع أحمد العطار الذى يعمل بشروط شبيهة.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها يستحق حسن الجريتلى أن يبلغ منصة التكريم فى بلاده، بعد أن بلغها فى مهرجانات العالم ويستحق أن نقول له شكرا جزاء المتعة التى وهبتها لنا دائما.