ماكرون فى الخليج

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

يعمل الرئيس الفرنسى ماكرون بنشاط مكثف لتوسعة وتوثيق دوائر العلاقات الفرنسية مع عدة دول سواء فى أفريقيا أو الشرق الأوسط. وقد قوى هذا الاتجاه لديه على ضوء اعتبارين أحدهما تطلعه إلى أن تأخذ فرنسا مكانة ألمانيا فى المركز الأول فى الاتحاد الأوروبى، خاصة بعد أن قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترك القيادة الألمانية. وثانيهما استعداد الرئيس ماكرون لإعادة الترشح لرئاسة الجمهورية لفترة ثانية فى ظل انتقادات داخلية قوية، وما تركته جائحة كورونا من سلبيات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية على فرنسا والعالم كله، وحرص الرئيس ماكرون على إيجاد منافذ تجارية واستثمارية خارجية تساعد فى التغلب على هذه الصعوبات.
وقد قام الرئيس ماكرون، فى هذا السياق، بجولة خليجية عربية شملت ثلاث دول مهمة لفرنسا وهى الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والسعودية. وقد بدأ جولته بالإمارات العربية فى 3 ديسمبر 2021 وإلى جانب المباحثات السياسية مع الشيخ محمد بن زايد بشأن تطورات العلاقات الثنائية وفتح أفاق جديدة للتبادل التجارى والاقتصادى والاستثمارى والعلمى والتكنولوجى والثقافى والعسكرى، تم تبادل الآراء فى الأزمات فى المنطقة سواء الأزمة اليمنية، أو السورية، والليبية، والملف النووى الإيرانى، والأزمة مع لبنان.
وتم على المستوى الثنائى توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم شملت التعاون بين البلدين فى المجالات المالية، والاستثمار، والاقتصاد، والطاقة، والبناء، وتعديل الاتفاقية بين البلدين بشأن متحف اللوفر فى أبوظبى. وقد أكد الرئيس ماكرون على التزام فرنسا النشط فى مكافحة الإرهاب، وأن ما تم خلال زيارته قد زاد من القرب مع الإمارات، وأن ما وقع من اتفاقيات تقوى موقع فرنسا التى ترى فيها الإمارات شريكا قويا يفى بتعهداته.
ولعل من أهم الاتفاقيات التى تمت خلال الزيارة الاتفاقية العسكرية التى تورد فرنسا بموجبها للإمارات العربية 80 طائرة عسكرية رافال و12 طائرة هليكوبتر حربية، وتنتجها شركة داسو الفرنسية للطيران، وإجمالى قيمة هذه الصفقة مبلغ 17 مليار يورو (أى 19,20 مليار دولار أمريكي) منها 14 مليار يورو لصفقة رافال وحدها التى من المتوقع تسليمها للإمارات على دفعات تباعا فى الفترة ما بين 2027ــ2031 أى بعد نحو خمس سنوات من الآن. وتردد أن الهدف هو استبدال 60 طائرة طراز ميراج 2000ــ9، كانت حصلت عليها الإمارات من فرنسا عام 1998.
وقد تفاوتت ردود الأفعال إزاء هذه الصفقة ما بين القول إنها بمثابة تعويض لفرنسا عن إلغاء أستراليا صفقة الغواصات التقليدية الفرنسية وشراء غواصات بالطاقة النووية من الولايات المتحدة الأمريكية وما أثاره ذلك من أزمة. ولكن إيران انتقدت الصفقة وكبر عدد الطائرات وتساءلت عن حاجة الإمارات لها. ولعل هذا ما دعا مستشار الأمن الوطنى الإماراتى الشيخ طحنون بن زايد، السفر إلى إيران وإجراء مباحثات مع نظيره الإيرانى وكبار المسئولين، وذلك حرصا من الجانبين على العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما والتى تقدر قيمتها سنويا فى المتوسط أكثر من 9 مليارات دولار أمريكى. كما أن إسرائيل لم تعارض صفقة طائرات رافال الفرنسية للإمارات على عكس ما كانت أبدته من معارضة لإمداد الولايات المتحدة الإمارات بطائرات F35 الحربية. ويبدو أن تسارع عملية تطبيع وتنمية العلاقات الإسرائيلية ــ الإماراتية وراء الموقف الإسرائيلى.
ومما يلفت النظر تصريح الرئيس ماكرون للصحفيين فى دبى بأنه من الأهمية بمكان مشاركة القوى الإقليمية بما فيها دول الخليج وإسرائيل فى عملية الملف النووى الإيرانى لاتصاله بأمن هذه الدول. وهذا التصريح هل تم التنسيق بشأنه مع الدول الأطراف فى الاتفاق النوى مع إيران، خاصة وأن إسرائيل نشطة للغاية فى ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة وتطالبها بعدم رفع العقوبات على إيران، ومن ثم فإسرائيل مشاركة فعلا بطريق غير مباشر فى المفاوضات مع إيران عن طريق واشنطن.
•••
سافر ماكرون إلى قطر فى اليوم نفسه، وأجرى مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان، تناولت الأوضاع فى الخليج على ضوء المصالحة بين قطر وجيرانها، والملف النووى الإيرانى لما لقطر من علاقات جيدة مع إيران، والأوضاع فى العراق ولبنان والأزمة اليمنية والأزمة السورية والأزمة الليبية، والأوضاع فى أفغانستان، حيث قدم ماكرون الشكر لقطر على دورها فى عمليات إجلاء الرعايا الأجانب وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان. وأكد ماكرون على استمرار فرنسا فى مكافحة الإرهاب ومكافحة تمويل المنظمات الإرهابية. وقد نوه أمير قطر إلى أن العلاقات بين بلده وفرنسا تشهد نموا مطردا فى مختلف المجالات بالتعاون الاقتصادى، والدفاع، والأمن، وتبادل الخبرات الثقافية والرياضية، وأنه بحث مع الرئيس ماكرون تعزيز التعاون القائم بين البلدين، وتبادل الآراء بشأن أبرز قضايا المنطقة والعالم العربى.
•••
وصل ماكرون إلى جدة فى السعودية يوم 4 ديسمبر 2021، وأجرى مباحثات مع ولى العهد نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، أعقبها صدور بيان مشترك أكد على الاتفاق على ضرورة التصدى المشترك للأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن فى المنطقة، وضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة والاتفاق على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير، وضرورة حصر السلاح فى مؤسسات الدولة الشرعية ــ وكانت الحكومة اللبنانية قد استجابت لطلب الرئيس ماكرون بأن يستقيل وزير الإعلام اللبنانى جورج قرداحى قبل زيارة ماكرون للسعودية لتسهيل مهمته فى إقناع الإمارات والسعودية بإعادة العلاقات بينهما وبين لبنان إلى طبيعتها ورفع وقف استيراد السلع اللبنانية. ولكن اتضح أن استقالة قرداحى قد تخفف من حدة التوتر والاحتقان مع لبنان ولكنها لا تحل المشكلة. وهو ما حدث من الناحية الفعلية بطلب أن يكون السلاح فى لبنان تحت سيطرة المؤسسات الشرعية للدولة، والمقصود سلاح حزب الله. وقد ردت قيادات حزب الله على هذا الطلب بأنهم لن يقبلوا مهما اشتدت الضغوط أن تكون هناك مقايضة بين الحصول على الحد الأدنى للعيش الكريم وبين التخلى عن سلاح حزب الله، الذى هو ــ كما يرون ــ رمز لكرامتهم وحريتهم، وأى محاولة لفرض هذه المقايضة مرفوضة، وأن حزب الله يعمل لتحقيق الأمرين: التمسك بالمقاومة؛ لأنها ضمان الوجود، ومعالجة المشكلات لتوفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة.
ومن ثم فإن استقالة وزير الإعلام اللبنانى لم تحل المشكلة الأساسية بين السعودية ولبنان والمتمثلة فى حزب الله بسلاحه ونفوذه، ولكنها خدمت ماكرون فى جولته بإظهار قوة تأثير فرنسا على الأوضاع فى لبنان. وحصوله ــ أى ماكرون ــ على ورقة أثناء جولته الخليجية لطلب تحسين العلاقات مع لبنان خاصة من جانب السعودية. فهل ستعود العلاقات مع لبنان إلى ما كانت عليه قبل تصريحات قرداحى التى قال فيها إن الحرب فى اليمن عبثية، أم إنها ستعلّق على مطلب وضع سلاح حزب الله تحت سيطرة السلطة الشرعية ــ وهو أمر غير ممكن. أم أن إجراء الانتخابات اللبنانية فى موعدها العام القادم وما تسفر عنه من نتائج قد يهيئ الأجواء لتحسين العلاقات بين دول الخليج ولبنان أم يزيدها احتقانا.
•••
ويلاحظ أن الرئيس ماكرون كرر فى السعودية قوله بإشراك الحلفاء فى مفاوضات الملف النووى مع إيران، ومنهم السعودية ضمن محادثات إقليمية وأن هذا هو رأيه منذ 2017، وأنه لا يمكن تناول المسألة النووية دون التطرق إلى الاستقرار الإقليمى، وأكد بأهمية ألا يكون لدى إيران سلاح نووى، وإلا يكون هناك تصعيد فى المنطقة، ولكنه أقر بعدم وجود حلول بسيطة وسريعة لهذه القضية.
وقد تم توقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين رجال الأعمال الفرنسيين ونظرائهم السعوديين فى إطار زيارة ماكرون، فى المجالات الاقتصادية، والطاقة، ومشروعات تكرير البترول وإنتاج البتروكيماويات، وقطاع الكهرباء، والطاقة المتجددة، والربط الكهربائى، والتعاون فى مجال إنتاج الطاقة النووية، وأمن وإدارة النفايات الإشعاعية، ومجال التطبيقات النووية، وتطور القدرات البشرية فى إطار الاتفاق الحكومى الموقع عام 2011، ومجال الفنون والآداب والأفلام.
وبالنسبة للأزمات والقضايا الإقليمية اتفق الجانبان على دعم جهود الحكومة العراقية للقضاء على الإرهاب والمحافظة على أمن واستقرار العراق ووقف التدخلات الخارجية فى شئونه. وأهمية التوصل إلى حل سياسى للأزمة السورية، والأزمة الليبية، والأزمة اليمنية، والالتزام بحل الدولتين للقضية الفلسطينية. والترحيب بدعوة السعودية لعقد اجتماع استثنائى للمجلس الوزارى لمنظمة التعاون الإسلامى لمناقشة الأوضاع الإنسانية فى أفغانستان والإسهام فى الاستجابة لمطالبها.
•••
وقال ماكرون إن جولته فى العواصم الثلاث حققت أهدافها فى توقيت مناسب تتشكل فيه المنطقة. وهذا صحيح إلى حد كبير بالنظر إلى حصيلة ما تم توقيعه من اتفاقيات ومذكرات تفاهم خاصة فى الجانبين العسكرى والاقتصادى والتى لا شك فى أنها ستحدث حالة من الانتعاش النسبى فى الاقتصاد الفرنسى، كما أنها ستكون بندا مهما على خريطة الحملة الانتخابية لماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة والتى يواجه فيها منافسة قوية من جانب الديجوليون. كما أن هذه الجولة الخليجية دعمت مكانة فرنسا لدى الدول التى شملتها ولم تلق معارضة تذكر لا من جانب إسرائيل ولا الولايات المتحدة خاصة فى الجانب العسكرى والتعاون النووى بين فرنسا والسعودية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved