إتيكيت وبروتوكول ومراسم

محمد عبدالمنعم الشاذلي
محمد عبدالمنعم الشاذلي

آخر تحديث: الأربعاء 14 ديسمبر 2022 - 11:04 م بتوقيت القاهرة

لعل الآداب العامة التى صرنا نطلق عليها إتيكيت وبروتوكول فى إطار جهودنا الحثيثة لتحويل كل مصطلح إلى ألفاظ أعجمية. هى من أهم سمات المجتمع المتحضر لتضع مدونة متعارف عليها للآداب العامة تنظم العلاقة بين الصغير والكبير وبين الأنداد والأسلوب المقبول للتحية التى تتراوح بين تقبيل اليد أو الرأس أو الأنف فى بعض المجتمعات وبين الانحناءة فى مجتمعات أخرى وبين المصافحة باليد أو ضم اليدين بجانب الصدر مع انحناءة بسيطة مثل الهند، والأسلوب اللائق لتناول الطعام بالشوكة والسكين أو بالعصى فى الصين واليابان، أو بالأصابع الثلاثة لليد اليمنى فى الدول الإسلامية، كذلك ضوابط تحدد الملبس الملائم فنجد فى المجتمعات الأوروبية مناسبات ترتدى فيها بدل السموكنج بربطة العنق السوداء أو الفراك بربطة العنق البيضاء، أو بالبذلة الغامقة وفى اليابان لديهم الكيمونو واليوكاتا، وفى الهند يرتدون السارى، وفى دول الخليج العربية يرتدون العباءة مع مراعاة أن تكون سوداء فى المناسبات الرسمية مع الغترة والعقال، وأفريقيا لها أزياؤها القبلية الرسمية المتعارف عليها. فضلا عن سلوكيات تتغير من ثقافة إلى أخرى، فالرجل الغربى يرفع قبعته كعلامة احترام للأكبر أما فى الشرق فى زمن الطرابيش فويل لموظف يدخل على رئيسه من دون الطربوش والجنتلمان الأوروبى يفسح للمرأة الطريق ويمشى خلفها طبقا لمقولة «ليديز فيرست» أما الرجل الشرقى فيمشى تأدبا أمام المرأة كما فعل موسى مع صفورة ابنة شعيب. الآداب العامة تتشكل طبقا لممارسات ومعتقدات اجتماعية ودينية وتترسخ مع الزمن والغرض منها جعل كل طرف مقبولا لدى الطرف الآخر.
• • •
وبطبيعة الحال تزداد أهمية الآداب العامة فى العلاقات الدولية وتدرس فى المعاهد الدبلوماسية لوضع قواعد متعارف عليها تمنع الصدام والخلاف بين الدبلوماسيين ورجال السياسة فى المحافل الدولية حيث يتعامل الشرق مع الغرب والمسلم مع المسيحى واليهودى والهندوسى والبوذى والعلمانى واللادينى.
ولعل المراسم هى الملاذ الأخير للمساواة بين الدول فى المجال الدبلوماسى فالدول فى المحافل الدولية متساوية ولا أسبقية لدولة لأنها نووية أو لأن قوتها العسكرية قاهرة بما تملكه من حاملات طائرات وغواصات نووية وصواريخ عابرة للقارات ولا أولوية لدولة لأن مساحتها قارية أو لأن تعداد سكانها يتعدى المليار أو لأنها ترتع فى الثراء الفاحش، فأسبقية السفراء يحددها تاريخ تقديم أوراق الاعتماد وجلوس الرؤساء أو الوزراء على موائد المفاوضات يحددها أبجدية بلادهم. وللأسف اختزل البعض جماهيريا وإعلاميا الإتيكيت والبروتوكول بشكل هزلى إلى طريقة تقشير البرتقال بالشوكة والسكينة وضرورة تقليب السكر فى فنجان الشاى باتجاه عقارب الساعة!
خبير المراسم والبروتوكول عليه أن يدرس عادات وتقاليد وشعائر من يتعامل معهم لاتقاء أى تصرف مسىء أو جارح وهناك قصة تم تداولها من سنوات لا أعلم مدى صدقها لكنها تخدم المدلول عن مصرى شارك مستثمر هندى لبناء مصنع فى إحدى المناطق الصناعية الحرة فى مصر، وكدأب المصريين قام بذبح عجل يوم افتتاح المصنع الأمر الذى أصاب الهندى ــ الذى يدين بالهندوسية ــ بالهلع لتقديسه البقر وطبعا فُضت الشراكة وفشل المشروع.
• • •
بعد هذه الديباجة المطولة أصل إلى الغرض من هذا المقال وهو التنبيه بخطورة ما حدث فى مونديال قطر لكرة القدم ولا أتحدث هنا عن حملات الإعلام المكثفة فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة فهذا أمر يرد عليه الإعلام العربى والإسلامى وإعلام الدول المتمسكة بأهداب الأخلاق.
ولا أتحدث أيضا عن المسرحية الفجة التى قام بها الفريق الألمانى الذى نشر صورة لاعبيه واضعين أيديهم على أفواههم للإيحاء بمنع التعبير عن الحرية الجنسية، فهذا أمر يتم تناوله عن طريق اتحادات كرة القدم من خلال الاتحاد الدولى المعروف بالفيفا. ولكنى هنا أتحدث عن تصرفات ألمانيا كدولة نقلت فريقها القومى إلى قطر على متن طائرة ازدانت بألوان وشعارات المثلية المرفوضة فى الدول المضيفة وهو أمر تصدت له قطر بحزم ومنعت الطائرة من الهبوط وهو تصرف يستدعى الشكوى إلى المنظمة الدولية للطيران المدنى ICAO، ثم كان التصرف الاستفزازى لوزيرة الداخلية الألمانية التى نزلت إلى الملعب لتخلع سترتها لتعرض شعار المثلية المثبت على كتفها. وإنى أتساءل عن موقف السلطات الألمانية إذا وصل إليها فريق رياضى من دول إسلامية واصطحب أحد أفراده زوجتيه معه، إن المضيف من واجبه استقبال الضيف باللياقة والأسلوب الذى يراعى معتقداته وحساسيته إلا أن الضيف أيضا عليه مثل هذا الالتزام.
ولم يكن هذا الموقف الألمانى الشاذ الأول الذى تحدت فيه دولة أوروبية تقاليد دولة إسلامية، قد سبقه موقف فرنسى مماثل فى عام 2016 عندما رفضت السلطات الفرنسية طلب الرئيس الإيرانى بعدم تقديم الخمور أثناء الغداء الرسمى المقام على شرف الرئيس الإيرانى الذى رفض بدوره حضور المناسبة.
ولعلى أتساءل هل كانت فرنسا سترفض طلب وفد إسرائيلى بأن يخلو الطعام المقدم من لحم الخنزير وأن يلتزم بنظام الكوشر الذى يتبعه اليهود.
الأمر يتجاوز المظهريات المراسمية وأصبح يمثل عنصرية وتعالى أوروبا التى تكاد تقول لباقى دول العالم إن لم تقبلوا ما نقبل به ونمليه عليكم فلن نقبلكم فى زمرة الدول المتحضرة!
إن المثلية التى تريد أن تفرضها أوروبا وأمريكا مرفوضة من أغلبية دول العالم فى أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا وأمريكا الجنوبية والصين، وحتى فى الولايات المتحدة هناك قطاع واسع من المعارضين أحدثت انقساما حادا على الساحة السياسية وحتى فى أوروبا حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعدم أحقية المثليين فى الزواج. لقد أرست أوروبا والولايات المتحدة أساس النظام الديمقراطى الذى يخضع لحكم إرادة الأغلبية، وهم الآن يسعون لإرغام أغلبية العالم قبول قيمهم المنحرفة وهم الأقلية، كما باتت الشوفينية والعنصرية والكبر تتحكم فى مفهومهم للبروتوكول الذى يدعون أنهم وضعوا أساسه وعلموه للعالم فبات مقبولا انتهاك القيم الأخلاقية لمضيفهم بينما يستهجنون ويستعجبون من يستخدم سكين اللحم فى أكل السمك.
إن ما حدث فى قطر هو حلقة فى سلسلة الضغوط الأوروبية والأمريكية لإقناع شعوبنا بقيم ومفاهيم شاذة ومنبوذة فى انتهاك واضح لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، ويتطلب رد فعل مناسب من الدول الإسلامية والدول التى ترفض الشذوذ ومتمسكة بأهداب الأخلاق، وأن تستدعى هذه الدول سفراء ألمانيا لديها لتقديم احتجاج شديد على تصرفاتها أثناء المونديال، وأن تعلن هذه الدول مقاطعة وزيرة الداخلية الألمانية ووقف أى اتصال بها والامتناع عن استقبالها فى بلادهم، وقد يرى أيضا وقف استقبال طائرات الشركة التى نقلت الفريق والتى زينت بشعارات المثلية من الهبوط فى مطاراتنا.
إن الأمر أكبر من مظاهر بروتوكولية ومراسمية لكنه مواجهة كبرى من أجل الحفاظ على قيمنا ومعتقداتنا.

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved