واشنطن تتعلم العربية والإخوان يتكلمون الإنجليزية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 15 يناير 2012 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

بأى لغة يتحاور الأمريكان مع جماعة الإخوان، سؤال يبدو ثانويا إلا أن له دلالات مهمة. فخلال العشرة أيام الأولى من هذا العام، وصل القاهرة عدد من كبار المسئولين الأمريكيين كان أبرزهم الرجل الثانى فى وزارة الخارجية وليام بيرنز، ومن قبله بأيام قليلة وصل المسئول الأول عن الشرق الأوسط بنفس الوزارة، جيفرى فيلتمان.

 

وبجانب قضية المنظمات الأمريكية ومنظمات المجتمع المدنى التى اقتحمتها أجهزة الأمن المصرية فى سابقة تصعيدية غير معهودة من القاهرة أواخر الشهر الماضى، كان ملف العلاقات بين جماعة الإخوان وحزبها وواشنطن هو لب كل التحركات الأمريكية الأخيرة.

 

ومنذ بدء سيل المقابلات، تعالت أصوات فى واشنطن، أغلبها جمهورى، تندد بمثل هذا التواصل. وتساهم الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى فى حدوث مزايدات على كل ما تقوم به إدارة أوباما الديمقراطية، وتشكك فى خطورة صعود الإسلاميين على مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية.

 

ومؤخرا حذرت صحيفة الديلى تليجراف البريطانية الغرب من أن «مصر مبارك التى كانت حليفا علمانيا معتدلا للغرب لم يعد لها وجود، وعلينا أن نتعود على مصر غير حليفة، غير معتدلة، غير علمانية»، وهذا تماما هو ما يثير حفيظة الجمهوريين وأنصار إسرائيل. إلا أن كلمات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فى خطابه المهم عن ثورات العرب يوم 19 مايو الماضى، توفر بداية مناسبة لفهم مغزى التحركات الأخيرة. عبر أوباما بوضوح عن الرغبة الأمريكية فى البحث عن نفوذ وسط القوى السياسية الجديدة، إذ قال أوباما «إن هناك الآن فرصة تاريخية لدعم المصالح الأمريكية، ويجب علينا أيضا مواصلة جهودنا لتوسيع نطاق مشاركتنا خارج دوائر النخب، بحيث نصل إلى الناس الذين سيشكلون المستقبل».

 

وخلال زيارته الأسبوع الماضى فاجأنا مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأوسط فى حوار صحفى إذ قال إن «الحوار الأمريكى مع جماعة الإخوان المسلمين مستمر منذ سنوات»، رغم أن الشواهد تؤكد أن التواصل وليد ثورة 25 يناير وأن الطرفين يبدآن مرحلة تعرف كل منهما على الآخر.

 

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لم تنل عمليات القبض المتكرر على كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، وتقديمهم للمحاكمات العسكرية، وسجنهم لسنوات طويلة، اهتماما كبيرا فى وسائل الإعلام الأمريكى. ولم يعترض أحد فى واشنطن على اعتقال المهندس خيرت الشاطر، وزملائه على سبيل المثال، كذلك لم ينل الموضوع أى أهمية من الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.

 

وعلى النقيض من الصمت الأمريكى تجاه معتقلى جماعة الإخوان، ملأ إعلام وكونجرس وساسة ومعاهد واشنطن العالم ضجيجا وصخبا على اعتقال بعض رموز التيارات الليبرالية المصرية مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم أو الدكتور أيمن نور.

 

وبرغم اشتراك معتقلى جماعة الأخوان مع نظرائهم من المعتقلين الليبراليين فى العداء لنظام الرئيس مبارك، والكفاح ضده، إلا أن واشنطن اختارت أن تتجاهل معتقلى الإخوان لسببين: الأول هو الخوف من إغضاب النظام السابق لما تتمتع به الجماعة من شعبية وقوة فى مصر، والثانى والأهم، عدم وجود لغة مناسبة تجمع الجماعة بدوائر واشنطن. ولا أقصد باللغة هنا العربية أو الانجليزية، بل أقصد ما يجمع الطرفين فكريا وثقافيا.

 

خلال حكم مبارك (العلمانى غير الديمقراطى) تقربت واشنطن فى آن واحد لنقيضين: الرموز الليبرالية من أركان النظام الحاكم السابق، والرموز الليبرالية المعارضة. تطورت علاقة واشنطن بأشخاص قريبين من مؤسسة الرئاسة والحزب الحاكم والدوائر البحثية وقطاع الأعمال. ويمثل الدكاترة عبدالمنعم سعيد، ومحمد كمال، وهالة مصطفى، وشفيق جبر، نماذج لتلك الرموز.

 

كذلك تواصلت دوائر واشنطن مع معارضين وحقوقيين ونشطاء المجتمع المدنى وبعض السياسيين الليبراليين، وكان الدكاترة سعد الدين إبراهيم وأيمن نور من أبرز تلك الوجوه.

 

وتحدثت واشنطن باللغة الانجليزية، من دون الحاجة لوجود مترجمين، مع هؤلاء وهؤلاء من ممثلى النظام والمعارضة. 

 

وبعدما قلبت ثورة 25 يناير خريطة القوى السياسية المصرية رأسا على عقب، وأعادت تشكيل الخريطة السياسية بصورة واقعية تتضمن للمرة الأولى فى التاريخ المصرى مجلس شعب منتخب بصورة حرة وعادلة. لم يعد أمام واشنطن مفر من البحث عن لغة وسبيل للتواصل مع القوة الإسلامية الجديدة الصاعدة.

 

فى العلن، تريد واشنطن من الجماعة أن تؤكد احترامها للمبادئ الديمقراطية وللحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية العقيدة، وحماية الأقليات وتعزيز دور المرأة فى المجتمع، إضافة لاحترام التعهدات السابقة وعلى رأسها الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

 

وفى الواقع، تريد واشنطن تأكيدات تتعلق باستمرار العلاقات الخاصة بين الدولتين فى مجالات التعاون العسكرى والأمنى والاستخباراتى.

 

خلال العقود الماضية حافظت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء جمهورية كانت أو ديمقراطية، على علاقات تحالف خاصة مع النظام المصرى السابق غير ديمقراطى، وغضت واشنطن نظرها عن درجة شرعية النظام أو مستوى شعبيته، وعن انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان، وعن الانتهاكات ضد جماعة الإخوان المسلمين.

 

ومع تغير المعادلة السياسية المصرية، على جماعة الإخوان أن تبدأ فى تقييم السياسات الأمريكية من منظور براجماتى مصلحى بدلا من المنظور الإيديولوجى الجامد. لقد نجحت ثورة مصر فى فرض معادلة جديدة على علاقات واشنطن بحكام مصر أصبحت فيها جموع الشعب المصرى أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة. وعلى الجماعة وحزبها تأكيد أن مستقبل حكم مصر ستقرره حوارى وشوارع مصر.

 

على الجماعة أن تؤكد للشعب المصرى وللعالم أن التوافق بين الإسلام والديمقراطية والمواطنة حقيقة ممكنة عمليا. وعليها أن تبلغنا ما هى لغة الحوار التى يتحدثون بها فى الاجتماعات المتكررة مع المسئولين الأمريكيين.

 

وعلينا أن نعرف هل سيبدأ مسئولو واشنطن فى تعلم اللغة العربية، أم أن الجماعة ستفاجئنا وتتحدث إليهم باللغة الإنجليزية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved